مساء يوم الاثنين 02 أبريل 2018، عرضَتْفرقة ورشة فُوكُوسْ للمسرح والتربية، التابعة لثانوية الأميرة لالّة مريم بأحد فنادق مدينة أكادير، مسرحية قبيلة شوهارلوكLa tribu des Chouharlooks، إخراج ذ. عمر سحنون، إشراف ذ. عبد الله بن الشّيڭر، إدارة ذ. أحمد سعيد.
يدخل هذا العرض في إطار استعدادات الفرقة الشابّة للمهرجان الدولي للمسرح المدرسي، الذي سيقام بفلورانسابإيطاليا من 06 إلى 15 أبريل 2018.
تتحدث المسرحية عن: المستقبل…هل تساءلْنا يومًا عن المستقبل؟ إن طرح هذا السؤال الحارق، جعل هذه المسرحية الهادفة والتربوية بامتياز تقِفُ شاهدةَ عصْرها على مظاهر تخريب البيئة، والسِّباق نحو التسلُّح، واللامبالاة بمستقبل الأطفال. فكلُّ ما يترتَّب عن هذه البشاعات، هو الذي أفرز شخوصَ هذه المسرحية.. شخوصًا لم يأبَه بهم أسلافهم. توقَّف الزمن: سيبدأ عصر جديد…لكنَّه عصرٌ همجِيّ بكل المقاييس.
هو عمل تراجيدي ـ كوميدي يتلبَّس بملامح الكوميديا السوداء، ولا يراهن على الاحتفالية المجانية، لفضح خِفّة الكائن البشري، وتشّوهات الحياة، وهشاشة وضعهِغير الإنساني القاتم، على وجه الكوكب الأزرق، الذي ما عاد له من الزرقة غير ذكرى قاتمة، تنِزُّ حلكة وضغينة. تحدث المفارقة العجيبة، حين تتحول الكوميديا إلى تراجيديا حقيقية، تختل فيها لعبة العودة إلى الزمن الماضي للشهادة على عصر “التقدم الباهر” في الآن والهنا، ليعيش الجمهور والممثل مع أفق مستقبلي أشدُّ حلكة وفظاعة وهمجية.
تستفيق بطلة المسرحية على وهمٍ اسمه “الحضارة” و”المدنية” و”التقدم” و”العدالة”و”الحرية” و”الكرامة”، لتُدرِك أنها تعيش مستقبلها الوحشي مع همجٍ هي سَلَفُه الفعلي..همج يستسيغ أكل لحوم البشر، لأنه ورث في جيناته طبع أسلافه “المتحضرين” على الطريقة العدمية العابثة بالقيم والمثل وروح الحياة. أسلاف “تقدموا” إلى الوراء بإتقان فنون الحرب والقتال والتدمير والخراب والتجويع والتطهير العرقي وصراع الأديان و”الحضارات”، وتشريد الأطفال، الذين لم يعد أحد منهم ـ من شدة التلوث، وتخريب البيئة ـ يرى ولو نجمة واحدة تلمع في الأفق، بل لم يعد يعرف لون السماء الحقيقي، فالزرقة أصبحت سرابا، ونور النجوم الوضّاء أصبح ذكرى غائمة لا قِبل لهم بإدراكها ولو في الحلم.
في هذا الوضع المثير للاشمئزاز، والذي عززته مؤثرات صوتية وضوئية غاية في الإقناع بفداحة الوضع الإنساني وفظاعته، عبر استثمار تقنية التطعيم السينمائي بلقطات تؤكد الخراب الروحي والمادي لكينونة الإنسان، لم يجد الممثلون بُدًّا للخروج من حصار زمنين مختلّيْن ـ وهما وجهان لعملة واحدة هي البشاعة ـ غير تكسير الجدار الرابع، وتوريط الجمهور في أسئلة الإدانة والرفض والقلق على المستقبل إن كان هناك مستقبل.
جاءت مؤثرات الإنارة لتجعل الضوءرديف القتامة، التي يعززها الديكور واللباس الأسود القاتم في شكل براميل يعيش فيها إنسان المستقبل، وستُحشَر فيه البطلة القادمة من الحاضر، بغير رحمة. هي براميل قابلة للانفجار ، تعكس رمزيتها مزبلة التاريخ، التي ستجد البشرية نفسها رهينته بسلوكاتها الهمجية، وحضارتها الوحشية التي لا تبقي ولا تذر، بل أتت على الأخضر واليابس في ما تبقى من حلم لدى الإنسان المستسلم لغريزة المحْق وتسْويد شرف البشرية.
بتشخيص كوريغرافي بارع، استطاء ممثلون وممثلات في ربيع العمر، التفكير بطريقة تراجيدية ـ كوميدية في قضايا كبرى أثخنت ضمير الإنسان، وورطت الجمهور ـ بسلاسة بالغة، ودون ممانعة ـ في تأمل خريف الإنسانية في عصر الهوان. هي، إذن، رسالة سلام ومحبة إلى سكان الكوكب الأزرق في مشارق الأرض ومغاربها، وقصفة زيتون لا شرقية، ولا غربية.
عن مخرج هذه المسرحية الطاعنة في قضايا العصر، يقول الناقد والمخرج المسرحي البّروفيسور عز الدين بونيت، في حوار لي معه: “عمر سحنون: مخرج مسرحي مغامر، من الأسماء المسرحية، التي طبعت مسار الحركة المسرحية بمدينة أكادير طيلة أزيد من ثلاثة عقود ونيّف. عرفتُه في البداية مُمثلّا موهوبا في فرقة مسرح أنوار سوس، التي ظل مخلصا لها كمدرسة في التكوين والممارسة المسرحييْن، وكأسلوب في التعبير المدرسي. شاهدتُه مؤدِّيًّا متّقدا في مسرحية: “ثورة الزنج” لمعين بْسيسُو من إخراج الأستاذ عبد القادر عبابو سنة 1980،كما شاهدته مؤدِّيا في عدد من الأدوار لمسرحيات أخرى. ويمكن القول إنه كان من أوائل الممثلين الذين تشرّبوا أسلوب الأداء بمعناه البلاغي الجسدي ضمن حركة مسرح الهواة. وهو الأسلوب الذي ظلَّ مخلصا له حتى عندما أضحى مخرجا ومكوِّنًا في إطار الأوراش المسرحية التي قادها، وما زال ضمن المسرح الجامعي، أو في صفوف التلاميذ والشباب، أو في أعماله المسرحية الاحترافية.
أما في مجال الإخراج، فقد شاهدتُ له عدة عروض اتَّسَمت، بالإضافة إلى أسلوبه المشار إليه أعلاه، بالعناية بالرسالة أو المضمون. وهو النهج الذي دأب عليه منذ أن انطلق في التجربة المسرحية، حيثُ تكوَّن في مدرسة تولي أهمية قصوى لدور المسرح في التعبير عن قضايا الإنسان في عصره، وفي صراعه مع تحديات هذا العصر.
لا يؤمن سحنون بمسرح مجّاني أو يستهدف الحواس فقط، بل يصرّ على أن للمسرح رسالة ووظيفة تنويرية يؤديها من خلال مساءلة الوعي ومساءلة الضمير الفردي والجمعي كما حصل في مسرحية: “قبيلة شوهارلوك”، حيث طرح قضية الآثار السلبية لتصرفات الإنسان البيئية غير المسؤولة، في قالب مسرحي يجمع بين الإدانة الرمزية والمساءلة، والمتعة الفنية الراقية”.
بهذه الهموم الكبيرة، والأحلام النبيلة، ارتعشت أمام جمهور مدينة أكادير،لأزيد من ساعة وربع، أجساد فتية لممثِّلي الفرقة المسرحية لورشة فُوكُوسْالمكونة من التلميذات والتلاميذ: سهيل ذاكر، يحيى الدهين، أحمد يسين العلالي، سلمى المدكوري، مريم الطوبي، عبد المنعم غويتة، لينا مْريزيڭ، أكرم ناصر، مريم وحمان، شيماء أوحلّي، مريم أوزليم.
فتحية لهذا الرعيل الجديد من الفنّانين القادمين من الحلم وتباشير الحياة النديّة، ضدًّا على الموت الزُّؤام، ورغم كل الخسارات والحماقات والجنون الماجن لجبروت الإنسان وطغيانه.