الرئيسيةافتتاحية… وأما الثقافة فلا بواكي لها

… وأما الثقافة فلا بواكي لها

** في ظل العجز الواضح و الصارخ لحكومة عبد الإله بنكيران في الكشف عن مشروع ثوري للثقافة، ومنهجية تغيير عميقة لآليات العمل الثقافي، كنا ننتظر من البرلمان بمجلسيه النواب والمستشارين أن يلعب دوره كاملا في الدفاع عن الثقافة المغربية، والتفكير في تقوية هويتها، وتعبيد طرق إنعاشها، وتعزيز فرص إثرائها، وتوسيع آفاق انفتاحها على نظيراتها في العالم كله.. لكن للأسف الشديد ظل التعاطي البرلماني مع الشأن الثقافي سطحيا، ولم يتجاوز طرح أسئلة شفهية “رديئة” تمحورت حول قضايا لا علاقة لها بالثقافة كمشروع نهضة، وكمقاربة للتقدم، وكرؤية للاستثمار في الإنسان والحياة و الأرض.
إن أغلب الأسئلة الشفهية لمختلف الفرق البرلمانية دارت طيلة الولايات التشريعية السابقات حول ضرورة الحفاظ على بعض المآثر التاريخية وترميمها، وحول اقتناء بعض الكتب لمكتبات عامة هنا أو هناك، وحول بعض المهرجانات الفنية أو المسرحية، في حين غابت القضايا الجوهرية التي تمس الإشكاليات الثقافية وتنفعل بمطالبها، وتقود بالتالي المجتمع نحو الالتزام بقيمها الأصيلة وأخلاقياتها الهادفة.
ومن المفارقات التي تدعونا إلى كثير من التأمل، وتدفعنا إلى الدهشة، إحجام مختلف الفرقاء البرلمانيين عن القيام بمبادرات تشريعية ذات طابع ثقافي محض.. فلم يسجل لحد اليوم أي مقترح قانون يتعلق بقضية ثقافية، وهو الأمر نفسه بالنسبة للحكومة التي أفصحت خلال تقديم رئيسها لبرنامجه الحكومي عن خطوط شبه مرئية عن ما يمكن تسميته – مجازا – برؤية ثقافية للواقع الثقافي المغربي، بينما لم تبادر قط إلى إحالة مشروع قانون يتعلق بالثقافة، كتقنية وفلسفة ومنهجية تغيير للواقع والقيم والتربية والسلوك والمواطنة؟؟؟.
ومن ثمة، فإن الثقافة باتت اليوم – كما بالأمس – مجرد ترف فلكلوري، لا يتجاوز صخب الطبل والدف، وعويل الناي والمزمار، وقصعة الكسكس و”الكوارع” بالفاصوليا والحمص، ورقصة أفخاذ مكتنزة باللحم والدم، وبرامج تلفزيونية غثائية تزيد من هجرة المشاهدين المغاربة إلى قنوات عربية وأجنبية أعمق مصداقية وأوضح جدية.
إن الحكومة والبرلمان وباقي المؤسسات الدستورية المعنية بالشأن الثقافي وبالتراث وتجذير الهوية، إذا لم تنجح في بلورة مخطط ثقافي يرتقي بالإنسان / المواطن، ويخلق له فرصا حقيقية وعملية، لإحداث تغيير جوهري في عقله ونفسه وروحه وبدنه، لا تستحق منا أي احترام أو تقدير، ولا يمكن لها أن تقنعنا بأي مشروع للإصلاح والنهوض، مهما سخرت – لذلك – من إمكانيات بشرية ومادية ومالية.

طنجة الأدبية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *