أسدل الستار على حياة واحدة من أكثر الشخصيات تأثيرًا وإثارة للجدل في تاريخ السينما الفرنسية، بوفاة النجمة العالمية بريجيت باردو عن عمر ناهز 91 عامًا، لتطوي برحيلها صفحة أيقونة فنية تجاوز حضورها حدود الشاشة لتتحول إلى رمز ثقافي للحرية والتمرد والتحرر في النصف الثاني من القرن العشرين.
وأُعلن عن وفاة باردو صباح الأحد في منزلها بجنوب فرنسا، وفق ما أكدته مؤسسة “بريجيت باردو” المعنية بالدفاع عن حقوق الحيوان، من دون الكشف عن أسباب الوفاة أو توقيتها، وسط معتادها الصحي خلال الأشهر الأخيرة. وسرعان ما أثار الخبر موجة واسعة من ردود الفعل في فرنسا وخارجها، حيث نعاها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون واصفًا إياها بأنها “أسطورة القرن”، معتبرًا أنها جسّدت بأسلوب حياتها وأعمالها مفهوم الحرية الفرنسية في أبهى صورها.
وبرزت بريجيت باردو منذ خمسينيات القرن الماضي كظاهرة سينمائية غير مسبوقة، بعدما أعادت تعريف صورة المرأة على الشاشة، وكسرت القيود الأخلاقية السائدة في ذلك الزمن، خاصة بعد أدائها الجريء في فيلم “وخلق الله المرأة” عام 1956، الذي أثار عاصفة من الجدل واعتُبر صدمة ثقافية، وصلت إلى حد منعه من العرض في عدة دول. ومنذ تلك اللحظة، تحولت باردو إلى وجه السينما الفرنسية وصورتها الأكثر جرأة وانتشارًا عالميًا.
ولم تكن باردو مجرد نجمة جمال، بل ممثلة ذات حضور طاغٍ، شاركت في أعمال بارزة مع كبار المخرجين، وقدّمت أدوارًا تركت أثرًا عميقًا في تاريخ السينما الأوروبية، من بينها أفلام شكّلت محطات فنية مهمة في مسيرتها. كما تميّزت بأسلوب حياة غير تقليدي، جعل منها أيقونة للأزياء والموضة، وأسهمت في شيوع مظاهر تحرر لم تكن مألوفة في ذلك العصر، من بينها انتشار البكيني وتحطيم الصورة النمطية للنجمة المتحفظة.
وعلى الرغم من الشهرة العالمية، دفعت باردو ثمن الأضواء باهظًا، إذ عاشت مطاردة إعلامية قاسية، وتحوّلت حياتها الخاصة إلى مادة دائمة للصحافة، ما تسبب لها في أزمات نفسية حادة، عبّرت عنها لاحقًا بمرارة، مؤكدة أنها شعرت في كثير من الأحيان بأنها “فريسة مطاردة”. هذا الضغط كان أحد الأسباب التي دفعتها إلى اتخاذ قرار مفاجئ باعتزال التمثيل عام 1973، وهي في قمة شهرتها، لتنسحب من عالم السينما نهائيًا.
وبعد الاعتزال، كرّست بريجيت باردو حياتها بالكامل للدفاع عن حقوق الحيوان، وأسست مؤسسة تحمل اسمها عام 1986، خاضت من خلالها معارك شرسة ضد الصيد الجائر، وتجارة الفراء، واستغلال الحيوانات في العروض، لتتحول من نجمة سينمائية إلى واحدة من أبرز الناشطات في هذا المجال على المستوى الأوروبي.
ورغم هذا التحول الإنساني، ظل اسم باردو حاضرًا في الجدل العام بسبب مواقفها السياسية وتصريحاتها الصادمة، التي جلبت لها انتقادات حادة وأحكامًا قضائية، إلا أنها بقيت حتى سنواتها الأخيرة شخصية لا تقبل المساومة أو التراجع عن آرائها، محافظة على صورة المرأة الحرة التي لا تعترف بالقيود.
وبرحيل بريجيت باردو، تخسر السينما الفرنسية واحدة من أكثر نجماتها تفردًا وتأثيرًا، امرأة صنعت ثورة في صورة النجمة على الشاشة، وعاشت حياتها وفق قناعاتها الخاصة، تاركة إرثًا فنيًا وثقافيًا وإنسانيًا سيظل حاضرًا في ذاكرة العالم.
طنجة الأدبية

