الرئيسيةأخبارجائزة نوبل… قرارات مثيرة وجدل لا ينتهي منذ عام 1901

جائزة نوبل… قرارات مثيرة وجدل لا ينتهي منذ عام 1901

جائزة نوبل

في العاشر من دجنبر عام 1901، وبينما كانت السويد تحيي مرور خمسة أعوام على وفاة ألفريد نوبل، شهدت ستوكهولم حدثًا سيصبح لاحقًا من أبرز محطات التاريخ الثقافي العالمي. ففي قاعة الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم مُنحت أولى جوائز نوبل في الفيزياء والكيمياء والطب، احتفاءً بما وصفه نوبل في وصيته بأنه “أعظم منفعة تقدم للبشرية”. فقد نال ويلهلم رونتغن الجائزة الأولى في الفيزياء لاكتشافه الأشعة السينية، أما جائزة الكيمياء فكانت من نصيب ياكوب فانت هوف، بينما حصل إميل فون بهرنغ على جائزة الطب لاكتشافه مصل الدم.

لكن الحدث الذي استحوذ على الاهتمام العالمي آنذاك كان إعلان الجائزة المخصصة للأدب، إذ مُنحت للشاعر الفرنسي رينيه فرانسوا سولي برودوم، وهو اختيار اعتُبر مفاجئًا وصادمًا في آن واحد. فقد كان معظم المثقفين يتوقعون أن تذهب الجائزة للروائي الروسي ليو تولستوي، صاحب الأعمال الخالدة “الحرب والسلام” و”آنا كارينينا”، والذي كان قد نشر حديثًا روايته “القيامة”.

أثار هذا القرار موجة من الغضب في الأوساط الأدبية، ووقّع عدد من الأدباء السويديين رسالة احتجاج رسمية رأوا فيها أن حرمان تولستوي من أول جائزة نوبل للأدب يُعد إهانة للقيمة الفكرية التي يمثلها. ورغم الضجيج الكبير، دافعت الأكاديمية السويدية عن قرارها، مبدية تحفظها الأيديولوجي على أفكار تولستوي وفلسفته الرافضة لمظاهر الحضارة الحديثة. فقد اعتبر كارل ويرسن، الأمين العام للأكاديمية آنذاك، أن الكاتب الروسي تبنّى رؤية “منفصلة عن الثقافة الرفيعة”، ما جعله – وفق رأيه – غير ممثل للميول المثالية التي نصت عليها وصية نوبل.

ظل اسم تولستوي حاضرًا في الترشيحات لسنوات لاحقة، لكنه رفض بنفسه قبول ترشيحه عام 1906، ساخرًا من فكرة التفكير في كيفية التصرف بالمكافأة المالية، ومعتبرًا أن تعاطف الجمهور معه كان الجائزة الأهم. وهكذا بقي غياب أحد أعظم الروائيين عن قائمة الفائزين من أشهر القضايا التي رافقت تاريخ الجائزة منذ انطلاقتها.

ولم تخلِ مسيرة جائزة نوبل من مفارقات مثيرة وفضائح مدوية، ربما أغربها قصة رجل ينتظر تنفيذ حكم الإعدام، لكنه يُرشح تسع مرات لنيل جائزة صنعها نوبل لتكريم من يخدم الإنسانية. ففي عام 2000، تقدّم السياسي السويسري ماريو فهر بترشيح ستانلي “توكي” ويليامز لجائزة نوبل للسلام، ثم لاحقًا للأدب. ويليامز كان شخصية تحمل تناقضًا لافتًا؛ فهو أحد مؤسسي عصابة “كريبس” العنيفة في لوس أنجلوس، وأدين عام 1981 بقتل أربعة أشخاص خلال عمليتي سطو، ليُحكم عليه بالإعدام.

لكن الرجل تغيّر داخل زنزانته، حيث تحول من زعيم عصابة إلى مؤلف كتب موجهة للأطفال تحذر من العنف، وابتكر برامج لتوعية المراهقين، وساهم في جهود لوقف إطلاق النار بين عصابات متنافسة. وبفضل نشاطه هذا رُشح خمس مرات لنوبل للسلام وأربع مرات للأدب، ليصبح السجين الوحيد المحكوم بالموت الذي يُطرح اسمه بهذا الشكل في تاريخ الجائزة. ورغم عدم فوزه، نال جائزة رسمية من إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش الابن عام 2005، قبل أن يُعدم في ديسمبر من العام نفسه بحقنة قاتلة في سجن سان كوينتين.

تقدم هاتان القصتان المتناقضتان – تولستوي الذي كان أكبر من الجائزة، و”توكي” الذي لاحقته الجائزة حتى زنزانة الإعدام – صورة عميقة لما تمثله نوبل عبر أكثر من قرن: مرآة لجدل لا يتوقف حول الأدب والأخلاق والقيم، وحول قدرة الكلمة على التأثير سواء خرجت من قاعة أكاديمية مرموقة أو من زنزانة معتمة. فالتاريخ الطويل للجائزة يكشف أن أثر الفعل الإنساني قد يجد طريقه إلى العالمية مهما كان المكان الذي انطلق منه.

طنجة الأدبية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *