الرئيسيةأخبارالتلفزيون يعيد اختراع نفسه: تحول عالمي تقوده المنصات

التلفزيون يعيد اختراع نفسه: تحول عالمي تقوده المنصات

تحول مشاهدة التلفزيون

يأتي اليوم العالمي للتلفزيون هذا العام فيما يتغيّر معنى المشاهدة جذرياً. فالفكرة التقليدية عن الجلوس كأسرة أمام شاشة واحدة لم تعد جزءاً من الواقع اليومي لكثير من الناس، بعدما تحولت العادات نحو متابعة المحتوى عند الطلب عبر الهواتف والحواسيب أكثر من استخدام التلفزيون نفسه. لقد دخلنا فعلياً مرحلة “التلفزيون بلا تلفزيون”.

خلال السنوات العشر الأخيرة، تلاشت المظاهر الصغيرة التي كانت تمنح التلفزيون طقوسه الخاصة؛ فالبث التدفقي ألغى فكرة انتظار المواعيد المحددة، والخوارزميات أصبحت تقود المشاهد إلى المحتوى الذي يناسبه دون جهد أو بحث، معتمدة على تفضيلاته وسلوكه الرقمي. ومع الوقت، صار نصف سكان العالم ينظرون إلى خدمات مثل نتفليكس وHBO ويوتيوب باعتبارها التلفزيون الحقيقي، وليس الجهاز الموجود في غرفة المعيشة.

هذا التحول الضخم جعل التجربة أكثر فردية من أي وقت مضى، إذ إن أكثر من 80 بالمئة مما يشاهده المستخدمون على نتفليكس يأتي عبر توصيات آلية. وفي المقابل تغيّرت الصناعة نفسها؛ فالبث التدفقي الذي بدأ كخدمة ثانوية بات اليوم القوة الأكبر في إنتاج الأفلام والمسلسلات والوثائقيات. وخلال عقد واحد فقط، انقلبت المعادلة من هيمنة التلفزيون التقليدي إلى استحواذ المنصات على أكثر من 60 بالمئة من وقت المشاهدة في العديد من الدول الغربية.

ومع هذا الصعود ظهرت عادة جديدة رسختها المنصات: المشاهدة المتواصلة. فبدلاً من متابعة حلقة أسبوعية، أصبح الجمهور يتوقع توفر الموسم بأكمله دفعة واحدة، ويشاهدونه خلال عطلة نهاية الأسبوع أو في جلسة واحدة. وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 70 بالمئة من المشاهدين يمارسون هذا النمط. هذا بدوره دفع الكتّاب والمنتجين إلى تصميم الحلقات وكأن المشاهد لن يغادر الشاشة بين حلقة وأخرى، إضافة إلى توفير خاصية التشغيل التلقائي لزيادة مدة المشاهدة.

وبحلول 2025، لم يعد التلفزيون مرتبطاً بجهاز معين؛ إذ أصبحت الشاشة، مهما كان نوعها، هي مركز المشاهدة. الهواتف والأجهزة اللوحية والحواسيب المحمولة صارت البديل الأكثر استخداماً، وقد تجاوزت نسبة استخدام الأجهزة المحمولة في مشاهدة الفيديو 70 بالمئة عالمياً. في الوقت ذاته، تراجعت الاشتراكات في خدمات الكابل والأقمار الصناعية إلى أقل من النصف في العديد من الدول، خاصة بين الفئات الشابة التي تفضل المرونة على الالتزام بخدمات باهظة ومحدودة الخيارات.

كما لم تعد تجربة المشاهدة تعتمد على التركيز الكامل، إذ أصبح استخدام الشاشة الثانية عادة واسعة الانتشار لدى نحو 90 بالمئة من المشاهدين، خصوصاً دون سن الأربعين. هذا السلوك دفع المنتجين إلى إدخال تغييرات واضحة، من بينها تقليل التعقيد في الحوارات، واستخدام نصوص وترجمات واضحة، وتضمين لقطات يمكن للمشاهد إيقافها لمراجعة التفاصيل بسرعة.

وعلى الرغم من كل هذه التغييرات، حملت المنصات الرقمية جانباً إيجابياً تمثل في الانفتاح العالمي على محتوى دولي لم يكن يحظى سابقاً بفرص كبيرة للوصول إلى الجمهور العالمي. فقد تحولت الأعمال الأجنبية إلى نجاحات كاسحة مثل “لعبة الحبار” و”البروفيسور”، وازداد إقبال الجمهور على المحتوى العابر للحدود، حتى إن 40 بالمئة من المشاهدين حول العالم يؤكدون أنهم يستمتعون أكثر بمتابعة الإنتاجات الدولية. هذا التحول شجع الشركات على الاستثمار بكثافة في أعمال إقليمية موجهة للعالم كله، وليس للسوق المحلي فقط.

طنجة الأدبية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *