في أعماق جبال سييرا مادري المكسيكية، حيث تتعانق القمم الجرداء مع المدى الأزرق، عثر علماء الآثار على مومياء فريدة تُعرف اليوم باسم “رجل زيمابان”، في اكتشافٍ أعاد رسم ملامح العلاقة بين الإنسان القديم وجسده والعالم المجهري الذي سكنه. هذا الرجل، الذي عاش بين عامي 900 و1200 ميلادي، ما زال بعد أكثر من ألف عام يحمل في أحشائه أسرار نظامٍ غذائي معقّد، احتفظ بها الجفاف القاسي لتصبح اليوم وثيقة بيولوجية نادرة.
في كهفٍ صخري ببلدة زيمابان، الواقعة بمنطقة هيدالغو، قاد عالم الآثار سانتياغو روساس-بلازا من الجامعة الوطنية المستقلة في المكسيك فريقًا بحثيًا اكتشف مدفنًا يعود إلى أحد أبناء شعب أوتوبامي، أحد أعرق الشعوب في أمريكا الوسطى. كانت المومياء ملفوفة بطبقات من القطن المنسوج ومغطاة بأوراق الماغوي، ما يعكس مكانة اجتماعية عالية، غير أن الدهشة الكبرى لم تكن في زخرفة الكفن، بل في أحشاء الرجل التي احتفظت بميكروبيومٍ معويّ لا يزال “حيًا علميًا”، يشهد على تفاصيل غذائه القديم.
أظهرت التحاليل الجينية أن أكثر أنواع البكتيريا شيوعًا في أمعائه كانت من نوع Jeotgalicoccus، وهي بكتيريا مقاومة للملوحة تعيش في البيئات القاسية، إلى جانب مجموعات أخرى من عائلات Clostridiaceae وEnterobacteriaceae وLachnospiraceae، وغيرها. ورغم أن بعض هذه الأنواع يرتبط عادة بالأمراض، فإنها في هذه الحالة أدت دورًا تكافليًا، ساعد الجسم على استقلاب الكربوهيدرات والحفاظ على توازن الأمعاء.
كما اكتشف الباحثون وجود بكتيريا قادرة على تحليل الكيتين، المكوّن الرئيسي لهياكل الحشرات، ما يعزز فرضية أن سكان هيدالغو القدماء كانوا يتناولون الحشرات ضمن نظامهم الغذائي، جنبًا إلى جنب مع النباتات الغنية بالألياف مثل الأغاف واليوكا والصبار الشوكي. وتُظهر هذه النتائج أن النظام الغذائي لشعب أوتومي كان متنوعًا، يجمع بين البروتينات الطبيعية والألياف الصلبة التي كانت تحتاج إلى بكتيريا خاصة لهضمها.
ورغم مرور القرون، ظل جزء من هذه البكتيريا محفوظًا بشكلٍ مدهش، كأنها شيفرة وراثية باقية من جسدٍ اختفى، تكشف عن أسلوب حياة إنسانٍ عاش متنقلًا بين الصيد وجمع الثمار. يقول روساس-بلازا: “لقد تمكنّا من تحديد المكونات الميكروبية لإنسانٍ قديم عاش في سياق ثقافي فريد، وهو اكتشاف يفتح آفاقًا جديدة لفهم الميكروبيوم البشري في بعده التاريخي والثقافي”.
طنجة الأدبية

