الرئيسيةأعمدةاطلالات:   من توجيهات الملك… إلى رهان الإصلاح الحقيقي

اطلالات:   من توجيهات الملك… إلى رهان الإصلاح الحقيقي

الدكتورة نزهة الماموني

في كل خطاب ملكي، نُلامس ذلك النفس الإصلاحي العميق، المرتكز على رؤية استباقية تهدف إلى تحقيق تنمية متوازنة وعادلة بين مختلف ربوع المملكة. فالحديث عن الجهوية الموسعة لم يكن يوماً شعاراً سياسياً عابراً، بل هو خيار استراتيجي أراده جلالة الملك محمد السادس نصره الله رافعة لتكريس الحكامة الجيدة، وضمان ترشيد نفقات المال العام، في ظل مغرب يسير بثبات نحو الديمقراطية الفعلية وربط المسؤولية بالمحاسبة. وليس مغربا أعرجا أو مغربا كما وصفه جلالته بسرعتين .

 

الجهوية الموسعة كما أرادها الملك، ليست مجرد إعادة توزيع إداري، يلعب فيه الفساد الإداري دور السياسوية بدل الدور الإداري لمؤسسات الدولة ؛ انها انتقال حقيقي نحو ديمقراطية ترابية، تجعل المواطن محور القرار التنموي. غير أن هذا التحول لا يمكن أن يتحقق بدون التزام صارم بقواعد الحكامة الجيدة، المبنية على الشفافية، واحترام القوانين من تكافئ فرص تجعل المغرب يستفيد من كفاءاته بدل أن يهمشها ،لصالح من يعيثون فسادا واستغلالا لمناصب ليست على مقاسهم .ثم ان التدبير الرشيد جزء أساسي من الحكامة الجيدة يجعل المسؤول أمام المساءلة عند استخدام المال العام لخدمة أجندة حزبية سياسوية وليس خدمة  مؤسسات الدولة ، وهنا لابد من تفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة.

لان الكثيرين من يعتبرون ميزانيات المعارض والملتقيات والمهرجانات فرصة لخدمة انتخابات استباقية أو أداءات لفرقة متنوعة الافراد ممن يصفقون كثيرا ولا يعلمون لأي شيء يصفقون …

 

وفي هذا السياق، تأتي التوجيهات السامية التي ما فتئت تؤكد أن المال العام ليس ريعاً سياسياً، ولا وسيلة للترضيات أو شراء الولاءات. فالإنفاق العمومي يجب أن يوجه للمصلحة العامة، لا أن يتحول إلى صكوك انتخابية استباقية، أو أثمانٍ تُدفع مقابل صمت مريب على الفساد، أو تصفيقات موجهة من صحافة صفراء باتت لها “بطاقات موسمية” في حفلات التلميع والتضليل.

 

إن التحدي الحقيقي اليوم، هو القطع مع مثل هذه الممارسات، التي تُفرغ الجهوية من مضمونها، وتفرمل أي محاولة جادة للإصلاح. فترشيد النفقات لا يعني فقط التقشف، بل يعني قبل كل شيء محاربة العبث في تدبير المال العام، ورفض كل أشكال التوظيف السياسوي أو الإعلامي المشبوه لمقدرات الدولة.

 

التوجيهات الملكية اليوم تضع الجميع أمام مسؤولية وطنية: هل نملك الشجاعة الكافية لتفعيل الجهوية كأداة إصلاح حقيقي؟ وهل لدينا الإرادة الجماعية لتجفيف منابع الفساد بدل مهادنته أو التغاضي عنه؟ وحدها الحكامة الحقيقية ستمنح لهذه الأسئلة أجوبة في الميدان، لا في البلاغات الرسمية. ومن هنا بات السكوت على الفساد خيانة للملك والبلاد .

الدكتورة نزهة الماموني

تعليق واحد

  1. Abdelaziz Sghiar

    تحية طيبة أستاذة نزهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *