ها أنا قد وصلت أخيرا إلى الظلام الدامس الذي كنت أشاهده من بعيد منذ أزيد من خمسين سنة، كنت أسير نحوه بكل طواعية لا أتذكر أنني يوما فكرت حتى في تغيير الوجهة، بل كنت أسرع الخطى كي أصل بسرعة و ها أنا قد وصلت.
القوى خارت، و ضربات القلب تسارعت و هذه الغشاوة بدأت تنسدل و الرؤية أصبحت ضبابية.
أسمع صوتا يحذرني من التقدم للأمام، وكأنه ينبهني أنني أسير في اتجاه هاوية.
وصوت داخلي يأمرني أن أكمل بنفس العزيمة، حتى أصل إلى آخر المشوار.
تغلبت على كل العقبات، واجتزت بنجاح كل المطبات.
ها أنا أشرب نخب الرضى عن الذات، وعلى المائدة أرى أطباقا غير مألوفة. في هذا الطبق رأس فلان وفي هذا كتف فلان وهنا قلب ! آه ما كل هذا السواد هل هي صلصة الحقد.
لو أني أعلم أن هذا سيكون آخر المشوار ما خطوت فيه خطوة واحدة لكن هي الأقدار و كما يقول إخوتنا المصريون المكتوب على الجبين لابد يوما أن تراه العين. و ها أنا رأيت.
رغم أنني تعبت كثيرا كي أصل نهاية هذه الرحلة، ورغم أنني سأخرج منها بخفي حنين، لكن متعة المغامرة كانت تستحق.
صديقاتي أصدقائي إذا غبت يوما عنكم لا تجزعوا، فقط هي سنة الحياة أن يأفل نجم كل مولود مهما طال به المقام في كوكب الأرض.

محمد الفرݣاني

