الرئيسيةإبداعقصة قصيرة: شبح العدالة

قصة قصيرة: شبح العدالة

قصة قصيرة شبح العدالة

في أحد الأحياء الراقية بمدينة ساحلية صغيرة، كانت هناك شركة استثمارية تُدعى “نيوفيجن” يملكها رجل يُدعى كمال، معروف ببرودة أعصابه المريب وثقته المطلقة، بوجه جامد ومخيف يُشبه شخصيات أفلام الرعب الصامتة. كان كمال قليل الكلام، لكن كل من عمل معه شعر بهيبته؛ يُخفي أسراراً في قلبه وعيوناً في أركان مكتبه. ماضيه كان مجهولاً، وأعماله غامضة، حتى أنه أثار الشكوك بين من يحيطون به، لكن سحره الخاص كان يُبقي الجميع في رهبة صامتة. لقد بنى سمعته في السوق بفضل ذكائه الاستثنائي ومعرفته العميقة في سوق الأسهم، لكنه امتلك سمة خفية كانت تدفعه نحو المغامرات غير القانونية.

كانت “نيوفيجن” شركةً مزدهرة، كأنها تُدار بخيوط غير مرئية يُحركها كمال بمهارة وذكاء. في الخفاء، كان يضارب في أعماق السوق المالية، مستغلاً الثغرات القانونية والمعلومات الداخلية، حيث لا تتوقف أرباحه، بل تزداد بثبات وهدوء كمن يراقب منافسيه من بعيد في الظل. ورغم شكوك تدور حوله واتهامات بين حين وآخر، ظل محصنًا بفضل شبكة معقدة من العلاقات والرشاوى؛ حتى بات فعلاً فوق القانون.

ذات ليلة، وبينما كان كمال جالسًا في مكتبه الفاخر، محاطاً بشاشات عملاقة تعرض تفاصيل دقيقة عن أسهم وأسواق المال، رن هاتفه على نحو حاد وغامض. جاءه صوت هادئ يشبه نبرته، قال بثبات: “أعرف كل شيء عنك، وأملك الأدلة الكافية لإسقاطك. لديك 48 ساعة لتقرر إن كنت تريد العيش هكذا فوق القانون، أو في زنزانة مظلمة.”

أغلق الصوت الخط، تاركاً كمال في دوامة من الذعر. لأول مرة، شعر ببرودة تخترق ثقته. جلس مشدوهاً، يتساءل كيف عرف هذا الشخص أسراره؟ وكيف وصل إلى كل هذه التفاصيل؟ ربما كان أحد مساعديه، أو شخصاً مقرباً خانه.

قضى كمال يومين في جنون، يتحرى ويفتش، يقابل أصدقاءه من كبار المسؤولين الذين كانوا يسهلون أعماله الملتوية وغير القانونية، لكنهم جميعًا تنكروا لهذا الأمر ب ونفوا أي علاقة او معرفة بهذا التهديد. وفي اليوم الثالث، جاءته رسالة غامضة مكتوبة بخط يد غير مألوف: “انتهى وقتك.”

حينها أدرك كمال أن شبحاً ما كان يتعقبه، قوةً أكبر من حساباته الدقيقة، تُلاحقه بلا رحمة. بدأ يرى في زوايا مكتبه ظلالاً تخيفه، وسمع أصداء كلماته نفسها ترتد عليه. حاول الهرب من مصيره، لكن شباك العدالة كانت تلتف حوله بهدوء قاتل، إلى أن وقع أخيرًا في المصيدة.

وهكذا، انتهى الأمر، وجلس كمال خلف قضبان زنزانته، يُحدق في الفراغ. لقد أذعن للأمر الذي حاول طويلاً التهرب منه؛ القانون الذي لم يكن يرحم، والعدالة التي لم تفلت صيدها أبدًا.

الدورة التاسعة لملتقى الرواية من 21 إلى 23 نونبر الجاري بأكادير

ذ. هشام فرجي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *