ملخص كتاب حوار مع صديقي الملحد
لأننا لا نرى الله، ولأننا لا نعرف المستقبل، ولأن الآخرة غيب، ولأن مَن يذهب إلى القبر لا يعود؛ انتشرت بضاعة الإلحاد، وسادت الأفكار المادية، وعَبَد الناس أنفسهم واستسلموا لشهواتهم، وتقاتلوا على منافع الدنيا، وظن أكثرهم أنه ليس وراء الدنيا شيء، وليس بَعد الحياة شيء، وتقاتلت الدول الكبرى على ذَهَبِ الأرض وخيراتها، وأصبح للكفر نظریات، كما أصبح للمادية فلسفات، وللإنكار محارِبين، وللمنکِرین کعبة يتعلقون بها، ويَحُجُّون إليها في ذهابهم وإيابهم، کعبة يسمونها: (العِلم )، وعاد الحوار مع صديقي الملحد مرة أخرى، وعادت موضوعاته عن الجبرية والاختيار، والبعث، والمصير، والحساب؛ لتصبِح مواضيع الساعة، وتَعُود هذه الطبعة الجديدة في وقتها وميعادها؛ لتشارِك في حل هذا اللغز، وتَعُود لتفسِّر الموضوع من منطلق العلم الثابت والإشارات القرآنية، والإيمان بالله.
1- مَنْ خَلَقَ الله؟
يَسْخَر الملحدون ويُرَدِّدون: أنتم تقولون إن الله موجود، ودليلكم هو قانون السببية، الذي يَنص على أنَّ لكل صنعة صانع، ولكل خَلْق خالق، والرسم يدل على الرسَّام، والنقش يدل على النقَّاش، والكون بهذا المنطق أبلغ دليل على الإله القدير الذي خَلَقه، ونحن صَدَّقْنا وآمَنَّا بهذا الخالق، لكن ألا يحق لنا بنفس المنطق أن نَسأل: مَن خَلَق الخالق؟ ومَن خَلَق الله الذي تحدثوننا عنه؟ ألا يقودنا هذا الكلام إلى قانون السببية؟
نحن نقول له: سؤالك فاسد؛ فأنت تقول بأن الله خالق، ثم تقول مَن خَلَقه! فقد جعلتَ الله خالقًا ومخلوقًا في نفس الجملة، وهذا تناقض، والوجه الآخر لفساد السؤال: أنك تتصور أن الخالق خاضع لقوانين مخلوقاته؛ فالخالق وضع لنا قانون السببية، وهو الذي خلق الزمان والمكان، ولا يمكن أن نتصور أن الله خاضع لقانون السببية ولا لقوانين الزمان والمكان التي وضعها.
الله هو الدليل الذي لا يحتاج إلى دليل؛ لأنه الله الحق الواضح بذاته، وهو الحُجَّة على كل شيء، والله ظاهر في النظام والدقة والجمال والإحكام، في ورقة الشجر، وفي ريشة الطاووس، في جناح الفراش، وفي عِطر الورد، في تغريد البلبل، وفي ترابط النجوم والكواكب، وفي هذا النظام الذي اسمه الكون. ولو قلنا إن كل هذا جاء صدفة؛ لكنا مثل الذي يتصور أن الحروف إذا أُلقِيت في الهواء، يمكن أن تتجمع من نفسها، على شَكْل قصيدة شِعر لـ (شكسبير ) بدون شاعر وبدون مؤلِّف، والقرآن يوفر علينا الكلام في هذه المجادلات بكلمات قليلة وبليغة؛ فيقول بوضوح قاطع ودون تفلسف: “قل هو الله أحد ، الله الصمد ، لَم يَلِد ولَم يُولَد ، ولَم يَكن له كُفوًا أحد ”
2- إذا كان الله يعلم أفعالي قبل حدوثها و كتبها عليّ؛ فلماذا يحاسبني؟
يثير الملحدون قضية القَدَر دائمًا ويُرَدِّدون: أنتم تقولون إن الله يُجرِي كل شيء في مملكته بقضاء وقَدَر، وإن الله قَدَّر علينا أفعالنا، وإنْ كان هذا هو حالي، وأنَّ أفعالي كلها مكتوبة عنده مسبقاً؛ فلماذا يحاسبني عليها؟ ولا تقولوا لي: نحن مُخيَّرون؛ فليس هناك كذبة أكبر من هذه الكذبة، هل اخترتُ ميلادي وجنسي وطولي وعرضي ولوني ووطني؟ هل تَشرق الشمس ويَغرُب القمر باختياري؟ هل أموت باختياري؟ وهل أقع في المصائب باختياري فلا أجد حلًّا إلا الجريمة؟ لماذا يُجبرني الله على فِعل ثم يحاسبني عليه؟ وإذا قلت إنني حر، وإنَّ لي مشيئة إلى جوار مشيئة الله؛ ألا يكون هذا الكلام إشراكًا بالله ووقوعًا في تعدد المشیئات؟ ثم ما قولك في حُكْم البيئة والظروف في تغيير هذا القدر، وفي الحتميات التي يقول بها الماديون التاريخيون؟
أقول لهذا الملحد: أنت واقع في عدة مغالطات؛ فأفعالك معلومة عند الله في كتابه، ولكنها ليست مكتوبة عليك بالإكراه، إنها مُقَدَّرة في عِلمه فقط، كما تُقَدِّر أنت بعلمك أن ابنك سوف يزني، ثم يَحدث أن يَزني بالفعل، فهل أجبرتَه؟ أم كان هذا تقديرًا في العِلم؟ وقد أصاب عِلمك.
أما كلامك عن الحرية بأنها كذبة، وقولك بأنك لم تقم باختيار ميلادك ولونك وجنسك وطولك ولونك ، وأنك لا تستطيع أن تنقل الشمس من مكانها؛ فهو مغالطة أخرى، وسببها هذه المرة: أنك تتصور الحرية بطريقة غير الطريقة التي نتصورها نحن المؤمنین، أنت تتكلم عن حرية مُطْلَقة، حرية التصرف في الكون، وهذه مِلك لله وحده، ونحن لا نؤيد هذه الحرية: “وربك يَخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة “، وليس من حق أحد أن يختار في مسألة الخلق؛ لأن الله هو الذي يَخلق ما يشاء ويختار، ولن يحاسبك الله على قِصرك، ولن يعاتبك على طولك، ولن يعاقبك لأنك لم تُوقِف الشمس في مدارها.
والأشياء التي أمرك الله بها، هي التي سيحاسبك عليها، وأنت في هذا المجال حُرّ، وهذه هي الحدود التي نتكلم فيها، أنت حر في أن تمنع شهوتك، وتقاوِم نفسك، وتَقتُل نیاتك الشريرة، وتُشجِّع ميولك إلى الخير، أنت تستطيع أن تكون كريمًا وأن تكون بخيلًا، وتستطيع أن تكون صادق او كاذب وتستطيع أن تمنع يدك عن المال الحرام، وتستطيع أن تمنع بصرك عن عورات الآخرين، وتستطيع أن تَمْسِك لسانك عن السباب والغيبة والنميمة؛ ففي هذا المجال نحن أحرار، وهذا هو المجال الذي يحاسبنا الله عليه تتم محاسبتنا .
3- لماذا خَلَق الله الشر؟
قال صاحبي الملحد ساخرًا: کیف تَقولون إن إلهكم كامل ورحمن ورحیم وکریم ورءوف، وهو قد خَلق كل هذه الشرور في العالَم؟ مِن المرض والشيخوخة والموت، والزلزال والبركاين، والميكروب والسُّم، وآلام السرطان، التي لا تترك الطفل الصغير ولا الشيخ الكبير، إذا كان الله يشجّع على المحبة والجمال والخير؛ فكيف يَخلق الكراهية والقبح والشر؟
إنَّ النظر المحايِد سوف يكشف لنا أن الخير في الكون هو القاعدة، وأن الشر هو الاستثناء؛ فالصحة هي القاعدة، والمرض استثناء، ونحن نَقضي معظم سنوات عمرنا في صحة، ولا نمرض إلا أيامًا قليلة، وبالمثل الزلازل، فمعظمها بضع دقائق في عُمْر الكرة الأرضية، الذي يُحصي بملايين السنين، وكذلك البراكين، وكذلك الحروب هي اضطرابات قصيرة في حياة الأمم بين فترات سلام طويلة، ثم إننا نَرَي بعض الخير في كل ذلك؛ فالمرض يعطي الجسم مناعة، والألم يربّي الإنسان على الصلابة والتحمل، والزلازل بديلة عن الضغط في داخل الكرة الأرضية، وتحمي قشرة الأرض من الانفجار، وتعيد الجبال إلى أماكنها، والبراكين تُخرِج المعادن والثروات من باطن الأرض ، وتجعل تربة الأرض خصبة، والحروب تجمع الأمم مع بعضها في شكل تحالفات ، وأعظم الاختراعات خَرَجت أثناء الحروب، البنسلين والذرة والصواريخ والطائرات النفاثة، كلها خَرَجت من الحروب، ومِن سُمِّ الثعبان يَخرج الدواء، ومن الميكروب نَصنع اللقاح.
إنَّ الشر هو الامتحان الذي نَعرف به أنفسنا، وهو الابتلاء الذي يحدد درجاتنا عند الله، ثم إنَّ الدنيا كلها عبارة عن فَصْل واحد من رواية سوف تَكثُر فصولها؛ فالموت ليس نهاية القصة، ولكن بدايتها، ولا يجوز أن نَحْكم على مسرحية من فَصْل واحد، ولا أن نَرفض كتابًا لأن الصفحة الأولى لم تعجبنا؛ فالحُكم هنا ناقص، ولا يُمْكن معرفة الحكمة كلها إلا في النهاية، ثم ما هو البديل الذي يتصوره السائل الذي يَسْخر منا؟ هل يريد أن يعيش حياة بلا موت؟ بلا مرض وبلا شیخوخة، وبلا نقص ولا عَجْز، وبلا قيود وبلا أحزان وبلا آلام؟ هل يَطلب کمالًا مُطْلَقًا؟ يَطلب كما يشاء، ولكن الكمال المُطْلَق لله وحده.
4- ما ذنب الذي لم يَصِله القرآن والدِّين؟
يسأل ذلك الملحد في سخرية ويقول: ما رأيك في هذا الإنسان الذي لم يصل القرآن إليه، ولم يَنزل علیه کتاب، ولم يسمع عن أي نبي؟ ما ذنبه؟ وما مصيره عندكم يوم الحساب؟ مثل الناس في القطبين، أو زنجيّ في الغابات، ماذا يكون مصيره بين يدي إلهكم يوم القيامة؟
إن أعجب ما في سؤالك: أنك تتظاهر بالإيمان وبالرحمة الإشفاق على هذا الزنجي المسكين، الذي فاته ما في القرآن من نور ورحمة وهدی، مع أنَّك في الحقيقة كافر بالقرآن وبنوره ورحمته؛ فسؤالك فيه مخادعة، وفيه مناقَضة للنفس هي الوقاحة بعينها؛ فأنت تحاول أن تُقْنِعَنَا بحجة أنت لا تقتنع بها، ألا ترى أن جهاز المنطق عندك في حاجة إلى إصلاح؟
إن َّالرسل الذين جاء ذِكرهم في القرآن ليسوا كل الرسل، وإنما هناك آلاف غيرهم لا نَعلم عنهم شيئًا، والله يقول لنبيه: “منهم من قَصَصْنا عليك ومنهم من لم نَقْصُص عليك “، والله يوحِي إلى كل شيء حتی النحل: “وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتًا ومن الشجر ومما يَعرُشون “، وقد يَكون الوحي كتابًا يُلقيه (جبريل )، وقد يلقيه الله في قَلْب العبد، وقد يَكون انشراحًا في الصدر، وقد يَكون حكمة، وقد يكون فَهمًا، وقد يَكون خشوعًا وتقوی، والذين يرق قلبهم وسمعهم، فهم يتلقّون فضل الله، أما الذين يغلقون آذانهم وقلوبهم؛ فلا تنفعهم كُتُبٌ ولا رُسُلٌ ولا معجزات حتى ولو كثرت، والله قال إنه يختص برحمته من يشاء، وإنه لا يُسأل عما يَفعل، وقد يعذّب الله فردًا أو يرحم آخر؛ لحكمة لا يعلمها إلا الله.
5- هل مناسك الحج وثنية؟
قال صاحبي الملحد: ألا تلاحِظ أنَّ مناسك الحج عندكم هي وثنية صريحة؟ ذلك البناء الحجري الذي تُسَمونه الكعبة وتتمسّحون به وتطوفون حوله، ورَجْم الشيطان، والهرولة بين الصفا والمروة، وتقبيل الحجر الأسود، وحكاية السبع طوفات والسبع رجمات والسبع هرولات، هي بقايا من خرافة الأرقام في الشعوذات القديمة، وثَوب الإحرام الذي تلبسونه على اللحم! ما الفائدة منه؟
قلت في هدوء: ألا تلاحظ أنت أيضًا أنَّ في قوانين المادة التي دَرَستها أن الأصغر يطوف حول الأكبر؟ الإلكترون في الذرة يدور حول النواة، والقمر حول الأرض، والأرض حول الشمس، والشمس حول المجرَّة، والمجرة حول مجرة أكبر، إلى أن نَصل إلى الأكبر مُطلَقًا، وهو الله، ألا نقول “الله أكبر “؟ أي أَكبر من كل شيء، وأنت الآن تطوف حوله، ضمن مجموعتك الشمسية، ولا يمكنك أن تغيّر ذلك؛ فلا شيء ثابت في الكون إلا الله، هو الصمد الصامد الساكن والكل يتحرك حوله، وهذا هو قانون الأصغر والأكبر الذي تعلمْتَه في الفيزياء. أمَّا نحن فنطوف باختيارنا حول بیت الله، وهو أول بيت اتخذه الإنسان لعبادة الله؛ فأصبح رمزًا وبيتًا لله، وأنتم ألا تطوفون حول رجل محنَّط في الكرملين؟ تعظّمونه وتقولون إنه أفاد البشرية، ولو عرفتم قبر (شكسبير )؛ لتسابقتم إلى زيارته أكثر مما نتسابق إلى زيارة (محمد ) – صلى الله عليه وسلم – ، ألا تضعون باقة وَرْد على بعض الحجارة، وتقولون إنها ترمز للجندي المجهول؟ فلماذا تلوموننا لأننا نُلْقِي حَجَرًا على بعض الحجارة نقول إنها ترمز إلى الشيطان؟
إنَّ مناسك الحج هي عدة مناسبات لتحريك الفكر، وتنشيط المشاعر والتقوى في القلب، أما ثوب الإحرام الذي نلبسه على اللحم، ونشترط ألا يكون فيه خيط؛ فهو رمز للخروج من زينة الدنيا، تمامًا كما نأتي إلى الدنيا في اللفة، ونَخرج من الدنيا في لفة، وندخل القبر في لفة، ثُمَّ ألا تشترطون أنتم لبس (البدل ) الرسمية لمقابلة المَلك؟ ونحن نقول: إنه لا شيء يليق بجلالة الله إلا خَلْع جميع الزينة؛ لأنه أعظم من جميع الملوك، وأنه لا يَصلح في الوقوف أمامه إلا التواضع التام، ولأنَّ هذا الثوب البسيط الذي يَلبسه الغني والفقير، أمام الله فيه معنى آخر للأُخوَّة، رغم اختلاف الدرجات والثروات. والحج اجتماع عظيم ومؤتمر سنوي، وصلاة الجمعة مثله، فهي المؤتمر الصغير الذي نَلتقي فيه كل أسبوع، وهي كلها معان جميلة لِمَن يُفكِّر ويتأمل، وهي بعيدة جدًّا عن الوثنية.
6- هل القرآن مِن تأليف (محمد )؟
إذا نظَرنا إلى القرآن نظرة محايدة؛ فسوف نَستبعد تمامًا أنْ يكون (محمد ) – صلى الله عليه وسلم – هو مؤلِّفه؛ لأنه لو كان مؤلِّفه؛ لظَهَرت فيه همومه وأحزانه، فقد رأيناه في عام واحد يَفقد زَوْجَه (خديجة ) وعَمَّه (أبا طالب )، ولا سند له في الحياة غيرهما، وحزنه عليهما كبير، ومع ذلك، لا يذكرهما القرآن ولو بكلمة، وكذلك يموت ابنه (إبراهيم ) ويبكي عليه الرسول – صلى الله عليه وسلم – ، ولا يأتي خَبر بذلك في القرآن؛ فالقرآن معزول تمامًا عن شخصية الرسول.
لو نظَرنا في العبارة القرآنية؛ لوجدنا أنها جديدة في صياغتها وتركيبها، وليس لها شبيه في أَدَب العرب السابق، ولا شبيه فيما أتى بعد ذلك؛ حتى تكاد اللغة تنقسم إلى شعر ونثر وقرآن؛ فنحن أمام كلام مميَّز، فالقرآن ليس شعرًا ولا نثرًا، وإذا نظرنا أكثر؛ فإنا سنكتشف الدقة العظيمة؛ فكل حرف في مكانه، لا تقديم ولا تأخير، ولا تستطيع أن تضع كلمة مكان كلمة، ولا حرفًا مکان حرف، كل لفظة تم اختيارها من مليون لفظة بمیزان دقیق، وهذه الدقة الكبيرة لا مثيل لها في التأليف.
7- تناقضات في القرآن!
يقول الملحد ما معنى: “وسع كرسيه السماوات والأرض “؟ هل من المنطق أن يَكون هناك كرسي صفته هكذا؟ وسأرد عليه بنفس منطقه، وأسأله: لو قلتَ لي ما الإلكترون سأقول لك ما الكرسي؟ قل لي ما الكهرباء؟ قل لي ما الجاذبية؟ قل لي ما الزمان؟ إنك لا تعرف حقيقة أي شيء لتسالني ما الكرسي وما العرش؟ إن العالم مملوء بالأسرار وهذه بعض أسراره، ولماذا تَتعجب من النملة التي تَكلمتْ في القرآن وحَذَّرتْ بقية النمل من قدوم (سلیمان ) وجيشه؟ “قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا یَحْطِمَنَّكُم سليمان وجنوده “، ولو قرأتَ القليل عن عِلم الحشرات الآن؛ لَمَا سألت هذا السؤال، إنَّ عِلم الحشرات مليء بدراسات كثيرة عن لغة النمل ولغة النحل، ولغة النمل الآن حقيقة مؤكَّدة؛ ولا يمكنك أن تتعجب من أن نملة عَرَفت (سلیمان )، ألم يعرف الإنسان الله؟
وقد يقول: هل الله محتاج إلى أنْ يعبده خَلْقُه؟ لكن يجب أن يَعرف أنَّ العبودية لله هی عَکْس العبودية في مفهومنا؛ فالعبودية في مفهومنا هي أن يأخذ السید الخير من العبد، أما العبودية لله فهي العكس تمامًا، وهي أن يعطِي السيد للعبْد نِعَمًا كثيرة؛ فحينما يقول الله: “وما خَلقت الجن والإنس إلا ليعبدون”؛ فمعناها: ما خَلَقتُ الجن والإنس إلا لِأعطيهم حبًا وخيرًا، وكرامة وعزة؛ فالسيد (الرب) لا يحتاج إلى عبادتنا، بل نحن المحتاجون إلى هذه العبادة والشرف، والمواهب والخيرات التي لا حدود لها؛ فالله الكريم سَمح لنا أن ندخل عليه في أي وقت بلا ميعاد.
8- هل المعجزات مقبولة عقلًا؟
قال صاحبي الملحد: لا أفهم كيف يأمر هذا الرب نبيَّه الخليل المقرَّب (إبراهيم ) بأن يَذبح ولده؟ ألا تَرَي أن هذه المسألة يصعب تصديقها؟ ونَرُد بأنَّ هذه القصة تدل على أن الله لم يكن يريد من (إبراهيم ) أن يذبح ابنه ، بدليل أن الذبح لم يَحدث، وإنما كان المراد أن يَذبح (إبراهيم ) محبته الزائدة لابنه، وتعلقه الزائد بابنه؛ إذ لا يجوز أن يَكون في قَلْب النبي تعلقًا بغير الله، لا دنیا، ولا ولد، ولا مال ، ولا سلطان، كل هذه الأمور لا يَصح أن يَتعلق بها قَلْب النبي.
يقول لي هذا الملحد وهذا البهائيّ (البهائية هي ديانة لا تقبل معجزات الأنبياء ): ما رأيك في معجزات (إبراهيم ) العجيبة ودخوله النار دون أن يحترق؟ وما فعله (موسى ) مِن بَعْده؟ ألا يبدو أن الدليل الأقوى على عظمة الله: هو النظام والعقل والانضباط، والقوانين التي يتم تطبيقها في الكون بدون أن يتم اختراقها؟ ونحن نقول بأنَّ هؤلاء فَهَموا المعجزة وتصوروها خطأً؛ فالمعجزة في تَصَوِّرهم عَمَلٌ بهلواني وخَرْق للقانون، ولكن الحقيقة غير ذلك؛ فلو أنك عدت ثلاثة آلاف سنة إلى الوراء، ثم دخلت على فرعون (مصر ) في ذلك الزمن، ومعك (ترانزستور ) في حجم علبة الثقاب، يتكلم ويُغنِي من تلقاء نفسه، تُري ماذا سيكون حال (فرعون ) وأعوانه؟ سيَهتفون في ذهول بلا شك: أنَّ هذه معجزة، وسِحر، ولا معقول، وخرْق لجميع القوانين.
وقع البهائيون في نفس غلطة الملحدين؛ حينما رَفضوا المعجزات، وتصوروا أن قبولها فيه إهانة للعقل؛ فحاولوا تشويه معاني القرآن، واعتبروا أن (موسى ) لم يَشُق البحر بعصاه، وإنما كانت عصاه في الشريعة التي فَرَّقت الحق من الباطل، وقالوا إن يده البيضاء هي رمز ليد الخير، كما قالوا إن (عیسی ) أحيا النفوس ولم يُحيِي الأجساد الميتة، وفَتَح العقول ولم يَفتح العيون العُمي، وكلما قابلوا شيئًا في القرآن لا تفهمه عقولهم، حاولوا تشويه المعنى واعتمدوا على تفسیرات خاطئة ومشوَّهة، وكل ذلك لأنهم أخطأوا في فَهْم المعجزة، واعتقدوا أن العقل لا يستطيع أن يتصور هذه المعجزات، و اعتبروا أن المعجزات عبارة عن خَرْق للقانون وهَدْم للنظام. والحق أننا نعيش في عصر لم تَعُدْ فيه المعجزات غريبة، فقد رأينا العِلم يأخذ بيدنا إلى سطح القمر، وإذا كان العلم البشري قد أعطانا كل هذه القوة؛ فلا شك أن العلم الإلهي أَقْدر وأعلم.
تحميل كتاب حوار مع صديقي الملحد على الرابط التالي: