يقع الكتاب في 176 صفحة من القطع الوسط، تتصدَّرُ غلافَه لوحةُ الكاردينال أغاجانيان، من تصميم الفنان أ. أسكاري (1960) المحفوظةُ في صالون إكليريكيَّة الأرمن الكاثوليك في روما، ويَحتوي صورًا لكلِّ البطاركة الأرمن الكاثوليك، وحواشيَ هامَّة تدعمُ البحثَ وتستفيضُ في شرحه. وقد أسهمت أسرةُ المرحومة إميلي حدَّاد سيوفي في نفقات الطباعة.
***
وضعَ الباحث الدكتور جوزيف إلياس كحَّالة مؤلَّفه المذكور أعلاه في الذِّكرى الخمسين لوفاة الكاردينال أغاجانيان، ولزمَه في ذلك جهدٌ كبيرٌ، إذ قامَ بأبحاثٍ حثيثةٍ حولَ مسيرة الرَّجل الكهنوتيَّة والأسقفيَّة وأعماله المُشرِّفة الكثيرة.
وصدَّرَ الكتابَ المطرانُ جورج أسادوريان، النائبُ البطريركيُّ على طائفة الأرمن الكاثوليك، وممَّا قالَه: “ضاقتِ الكنيسة الأرمنيَّة، على امتِداد تاريخها، بالأبرار والصِّدِّيقين الَّذين شرَّفوا مَكانتَها بين الكنائس، وأغنَوا تراثها وقدَّموا أرواحَهم فداءً عن شعبهم. وبرَزَ خلالَ القرن العشرين في الكنيسة الأرمنيَّة الكاثوليكيَّة البطريرك غريغوريوس بطرس الخامس عشر أغاجانيان، وجهًا نيِّرًا وخادمًا صادقًا…”، وأردفَ: “نشكر الأخَ والصَّديقَ جوزيف إلياس كحَّالة على قيامه بالأبحاث تهيئةً لإصدار هذا المؤلَّف بحيثُ نتذكَّر تلك القامة الكبرى…”
وعن كيفيَّة تحضير الكتاب، يكتبُ المؤلِّف جوزيف إلياس كحّالة في مقدِّمته: “أردنا، من خلال كتابنا هذا، أن نحتفلَ بالذِّكرى أعلاه على طريقتنا، فلخَّصنا أهمَّ مراحل حياة هذا البطريرك الكاردينال في صفحات قليلة، ثمَّ وضعنا فصلاً مستقلاًّ عن المجمَع الفاتيكاني الثاني الَّذي مَثَّلَ فيه أغاجانيان دورًا مهمًّا. كما بيَّنَّا دورَ الكنيسة الأرمنيَّة الكاثوليكيَّة خلال المجمَع، وقدَّمنا لمحةً عن سلسلة البطاركة الأرمن الكاثوليك، بدءًا من القرن الثامن عشر وحتَّى يومنا هذا”. وكانت للمؤلِّف أيضًا كلمةٌ بالفرنسيَّة حولَ إعداد بحثِه هذا.
***
ويحتوي الكتابُ فُصولاً أربعة:
1– التمهيد (ص 21-28)، وفيه يعرض المؤلِّف في لمحةٍ تاريخيّةٍ مقتَضَبَةٍ تاريخَ الكنيسة الأرمنيَّة.
2- غريغوريوس بطرس الخامس عشر أغاجانيان (ص 29-52)، حيث يبحثُ المؤلِّفُ في أهم مراحل حياة هذا الكاردينال البطريرك، منذ ولادته في العام 1895 وحتَّى غيابه في العام 1971، مرورًا بشبابه وحياته الكهنوتيَّة ووصولاً إلى انتخابه بطريركًا على الكنيسة الأرمنيَّة الكاثوليكيَّة، وكيف أنَّه كان على قابِ قوسَين أو أدنى من تبوُّء السُّدَّة البابويَّة في إثر وفاة البابا بيُّوس الثاني عشر، بالإضافة إلى الدَّور الهامِّ الذي مثَّلَه في المجمع الفاتيكانيّ الثاني. كما يُشيرُ المؤلِّف إلى البدءِ بإعداد الإجراءات اللازمة لتقديم طلب الى الفاتيكان في موضوع فتح دعوى تطويب الكاردينال العظيم.
3- المجمعُ الفاتيكانيُّ الثَّاني ودورُ الكنيسة الأرمنيَّة فيه (ص 53-66)، ويعرضُ المؤلِّفُ هنا أهمَّ المراحل التي مرَّ بها المجمعُ الفاتيكانيُّ الثاني. كما يُبرزُ لنا جدولاً فيه أسماء الأساقفة الأرمن الكاثوليك المشاركين في المجمع، مع لمحة مقتَضَبَة عن المقترحات المقدَّمة منهم لآباء المجمع.
4- مُختَصَرُ سِيَرِ بَطارِكَة كنيسة الأرمن الكاثوليك، من العام 1740 إلى اليوم (ص67-167)، وفي هذا الفصل، ولأوَّل مرَّةٍ في اللغة العربيَّة، يتمُّ سَردُ سِيَرِ البطاركة الأرمن الكاثوليك، منذ اتحادهم مع الكرسي الرسولي وإلى انتخاب البطريرك الحالي رافائيل بطرس الحادي والعشرين ميناسيان.
ويوثِّق المؤلِّف، إلى هذا، حدثَين معاصرَين هامَّين: الأوَّل إعلانُ تطويب المطران الشهيد إغناطيوس مالويان من قبل البابا القديس يوحنَّا بولس الثاني في العام 2001، والثاني الاحتفالُ المركزيُّ لمناسبة الذكرى المئويَّة للإبادة الأرمنيَّة الذي دعت إليه بطريركيَّة الأرمن الكاثوليك برعاية مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك بلبنان في العام 2015. وقد أُقيم الاحتفالُ على مسرح سيِّدة اللويزة بزوق مصبح في حضور حشد رسميّ وشعبيّ غير مسبوق على جميع المستويات، وأُلقيت فيه كلماتٌ من قِبَل البطريرك مار بشارة بطرس الرَّاعي والرَّئيسَين أمين الجميِّل وميشال عون، بالإضافة إلى قصيدة من الشَّاعر أنطوان رعد، فيما قدَّمَ الاحتفالَ الإعلاميُّ جورج قرداحي.
وكان للمونسنيور جورج يغيايان والأديب ناجي نعمان اليدُ الطولى في رَسم خطوط الاحتفال العريضة بمباركة بطريركيَّة الأرمن الكاثوليك وعلى رأسها البطريرك نرسيس بدروس التاسع عشر الَّذي أنهى الاحتفالَ بصلاةٍ خاصَّة. وجرى، للمناسبة، توزيعُ مجلَّدٍ–هديَّةٍ بعنوان “مئةٌ.. وتستمرُّ الإبادة” لنعمان على جميع الحضور الَّذين فاقَ عددُهم الخمسمئة، عِلمًا أنَّه كانَ لِنعمان أيضًا فَضلٌ كبيرٌ في التَّعريفِ بالطُّوباويِّ مالويان قُبَيلَ تطويبِه وبُعَيدَه، إذ كتبَ عنه وأصدرَ سبعةَ كُتُبٍ بالعربيَّة والفرنسيَّة والأرمنيَّة.
***
هذا، مع الإشارة إلى أنَّ جوزيف إلياس كحَّالة سعى، على نحوٍ مقتَضَبٍ وبأسلوبٍ سهلٍ، لإبراز الدور الهامِّ الذي قام به الكاردينال أغاجانيان، سواء في كنيسته الأرمنيَّة أو في الكنيسة الكاثوليكيَّة الجامعة، حيث تسلَّمَ مهمَّات عدَّة في الكوريا الرومانيّة. كما أخذَ القارئَ في رحلة طويلة، مفتِّشًا في بطون الكتب القديمة والحديثة، ليعرضَ عليه سِيَرَ بطاركة الكنيسة الأرمنيَّة الكاثوليكيَّة. والجدير ذكره، أنَّه، وللمرَّة الأولى، تُنشرُ باللغة العربيَّة، سِيَرُ جميع بطاركة هذه الكنيسة في كتاب مستقلّ، إلى جانب سيرة الكاردينال أغاجانيان. كما لم يبخل الدكتور كحَّالة على القارئ بالحواشي والشروحات المدرَجَة في متن الكتاب، والَّتي توفِّر عليه مشقَّة التفتيش عن المعلومات الجانبيَّة الَّتي غالبًا ما تكون ضروريَّةً لفهم تسلسل الأحداث التاريخيَّة. وبذلك يكشفُ له أحداثًا كثيرة عن شخصيَّات هذه الكنيسة الَّتي قد لا نعرفُ عنها سوى الأسماء. وبالمنهجيَّة الأكاديميَّة التي يتمتَّع بها الباحث كحَّالة، يُتيحُ للقارئ الدخولَ في سياق الأحداث وفهمَها على وجه أفضل، إلى إدراك الدور التربويِّ والكنسيِّ والمسكونيِّ الذي اضطلعَ به الكاردينال أغاجانيان، وكذلك جميع بطاركة الكنيسة الأرمنيَّة الكاثوليكيَّة.
يبقى أن ننوِّهَ بأنَّ الباحث جوزيف إلياس كحَّالة هو حلبيُّ المولِد وباريسيُّ الإقامة، متعدِّدُ الجوانب الفكريَّة، له باعٌ طويلٌ في التأليف. ظهرت له عشرات المؤلَّفات في اللغتَين العربيَّة والفرنسيَّة أغنت المكتبة العربيَّة والعالميَّة. كما كتبَ العديد من المقالات باللغتَين المذكورتَين آنفًا، نُشرت في مجلاَّت عالميَّة ومحليَّة. وتُعرَفُ عن الدكتور كحَّالة سعةُ اطِّلاعه ووفرةُ معلوماته ودقَّةُ ملاحظاته، إلى نَقدِه البنَّاء. وهو يحرصُ على أن لا يأتي بمعلومةٍ إلاَّ ويدعمها بالمصادر المَوثوق بها.
ولعلَّ أهميَّةَ الكتاب تكمنُ أيضًا في أنَّه الأوَّلُ من ضمن سلسلة “كبارٌ في ذاكرتنا” الَّتي ستُعنى برجالات الأرمن الكاثوليك، من إكليروس وعلمانيِّين، فتنشرُ، بخاصَةٍ، سِيَرَهم وإنجازاتِهم، وتُضيءُ، بعامَّةٍ، على تاريخ الأرمن وثقافتهم. ويُشرفُ على هذه السلسلة كلٌّ من المطران جورج أسادوريان والباحث جوزيف إلياس كحَّالة والأديب ناجي نعمان.
مرسال الأشقر