في موضوع ” التحديات المنهجية في البحث الأنثروبولوجي حول الطاقة المتجددة: تجارب إثنوغرافية بجماعات المايا بجنوب شرق المكسيك”، نظّم مركز الواحة للدراسات والأبحاث والتنمية، عبر صفحته بالفيسبوك محاضرة “رقمية” عن بعد، يوم الخميس 11 يونيو 2020 انطلاقا من الساعة العاشرة مساءً. من تأطير الدكتورة أمينة المكاوي، وهي أستاذة باحثة في الأنثروبولوجيا، مسؤولة عن كرسي البحث حول الطاقات المتجددة والسياسات الاِجتماعية بمركز الدراسات الجهوية، الجامعة المستقلة ليوكاتان – المكسيك. ومن بين مجالات البحث واهتمامات الأستاذة المحاضرة الدراسات العابرة للأوطان وقضايا الهجرة، السياسات العمومية، أشكال التهميش الجديدة والطاقات المتجدّدة وإشكالية الاِستدامة. والدكتورة أمينة المكاوي هي أستاذة باحثة في علم الاِجتماع والأنثروبولوجيا بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس بالرباط بالمغرب، حصلت على شهادة الدكتوراه في الأنثروبولوجيا الاجتماعية، وعلى درجة الماجستير في الأنثروبولوجيا الاجتماعية من جامعة ميتروبوليتنا المستقلة بمكسيكو، كما أنها حاصلة على دبلوم الدراسات العليا المعمقة في البحث في سوسيولوجيا الأسرة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية من جامعة محمد الخامس بالرباط بالمغرب.
وتأتي هذه المبادرة العلمية التنويرية التي نشّطت فقراتها الأستاذة الباحثة هاجر الفهدي من قِبَل مركز الواحة للدراسات والأبحاث والتنمية، في إطار الدينامية الثقافية التي تشهدها مجموعة من المواقع والمؤسسات والجمعيات ذات التوجهات التنويرية والتوعوية الهادفة، في زمن الحجر الصحي جراء تداعيات جائحة فيروس كورونا.
اِستهلّت الأستاذة المحاضرة الدكتورة أمينة المكاوي ورقتها بالترحيب بجميع الحاضرين المتابعين والمتتبعين من وطلبة وأساتذة وأكاديميين ومهتمين، كما عبّرت عن سعادتها بدعوة مركز الواحة للدراسات والأبحاث والتنمية لإلقاء هذه المحاضرة. ثمّ أكّدت في بداية محاضرتها بأنّه عند الحديث عن المنهج فإن الأمر لا يقتضي الحديث عن التقنية أو المنهجية، بل هو مشروع البحث بصفة عامة؛ يعني اختيار الموضوع، اختيار المنهج، اختيار مجال البحث، اختيار التقنية وعملية إنجاز البحث.
وعن دواعي اختيار هذا الموضوع بالذات، كما جاء على لسان الدكتورة المكاوي، فهي فكرة تنبثق من رغبتها في تقاسم التجربة في مقاربة هذا الموضوع لأنه، حسب ذات المتحدّثة، موضوع جديد للبحث ومثير للجدل في الآن نفسه، كما أنّه من المواضيع الحساسة.
وتابعت الأستاذة المحاضرة متسائلةً؛ كيف يمكن أن نعتبر أنّ موضوع البحث هو موضوع حساس أو موضوع مثير للجدل، أو موضوع يمكن أن يُشَكّل خطورة على الباحث؟ وماهي طبيعة المشاكل التي تعترض الباحث سواء من الناحية المنهجية أو من الناحية المفاهيمية النظرية أو من ناحية تحليل المعطيات؟ وماهي أهم التدابير والاِحتياطات والإجراءات لتفادي ذلك؟
حسب الأستاذة المحاضرة، وعطفا على ما سبق، فإن الباحثين الذين يقومون ببحوث في قضايا الإجرام والعصابات الإجرامية، الاِنحراف عن القواعد والمعايير والضوابط الاِجتماعية، الأجهزة الأمنية… بعيدا عن الثلاثي الجنس السياسة والدين(الطّابو الثلاثي)، يتعيّن عليهم، أي الباحثين، مواجهة سلسلة من التحديات المنهجية واللوجستيكية والأخلاقية التي ترتبط بصعوبة الوصول إلى مجتمع البحث، أو الساكنة التي سيشتغل معها، وتقدير العينة وتسجيل الشهادات وعدم كشف الهوية والنتائج، وغير ذلك من التحديات.
بعد ذلك، بسطت عالمة الأنثروبولوجيا الدكتورة أمينة المكاوي تجربتها حول أهم التحديات التي واجهتها في البحث، من تطوير بروتوكول أسئلة البحث، إلى اختيار مجال البحث، إلى اختيار المنهج أو التقنية، إلى أهم التدابير المعتمدة في مسار البحث، كما تطرّقت لبعض المشاكل التي يعاني منها مجموعة من الباحثين.
وترى الأستاذة الباحثة أنّ الموضوعات الحساسة، استنادا إلى الباحث الأمريكي “لِّي”، تُصنّف إلى ثلاث حالات؛ الحالة الأولى هو أنّ الباحث لديه شعور بالتهديد والبحث يتعلّق بالقضايا الشخصية والحياة الخاصّة للمشاركين، الحالة الثانية هي إمكانية الكشف عن المعلومات التي يحصل عليها الباحث في الدراسة وتجريم شخص بطريقة أو بأخرى، يعني أنّ الأمر هنا يتعلّق بالرقابة الاِجتماعية والحالة الثالثة هي مراعاة مصالح الأشخاص أو المؤسسات القوية التي يمكنها ممارسة الإكراه والهيمنة. والمشكل الذي يُطرح هنا بحدّة، تقول مكاوي، هو مصير النتائج ومصير المعطيات التي تمّ الكشف عنها.
في هذا السياق، تقول الأستاذة المحاضرة أنه في عمل ” غونزاليس” و “لويس رودريغيس”حول خصوصية الموضوع الحساس، يؤكدان أنّ نوع الأسئلة التي يمكن طرحها دائما تُزعج الشخص المبحوث، لأن البحث الاِجتماعي يحاول أن يكشف عن الخفي وغير المرئي في الواقع. لهذا هناك مجموعة من التدابير، توضح الدكتورة أمينة، يوصى بها فيما يخص المواضيع المسكوت عنها وذات الطابع الحساس، وهي: اِتخاذ تدابير لضمان السلامة الجسدية والمعنوية والقانونية للمشاركين أثناء وبعد انتهاء العمل الميداني، وهذا يعني ضمان سرية البيانات المستخرجة، وكذلك عدم الكشف عن هويتهم. وتُتابِع الأستاذة الباحثة أنه يجب العمل ببعض التوصيات التي نجدها في كتابات “فيرنانديز هيسبييس”، والتي تتجلى أولا، في إظهار موقف محترم ومتعاطف دون إصدار حكم قيمة أو وصم، ثانيا، توضيح حدود العلاقة بين الباحث والمشارك، ثالثا، الأخذ بعين الاِعتبار كل الإستراتيجيات التي تسمح بالحفاظ على الاِستقرار النفسي للباحث وعدم الإضرار به، وفي هاته النقطة الأخيرة استحضرت الأستاذة المحاضرة أعمال “ماغكوس كو”، رابعا، الحذر من ردود فعل المشاركين. وفي هذا الإطار أشارت الدكتورة المكاوي إلى أساتذتها الذين اشتغلت معهم بالمغرب في مثل هاته المواضيع الحساسة، وخصّت بالذكر البروفسور المختار الهراس والبروفسور إدريس بن سعيد. وتضيف الأستاذة المحاضرة أنه من بين الإستراتيجيات التطبيقية التي يمكن للباحث أن يستعين بها في بحثه ضمن المواضيع الحساسة هو التركيز على نقط القوة والجوانب الإيجابية بالنسبة للمبحوث، كما أوضحت أنه من المهم وضع المبحوث في السياق العام والنظر في مكان إجراء المقابلة.
في آخر عنصر ضمن محاضرتها المتميزة، تطرقت الدكتورة أمينة المكاوي إلى الصعوبات والمقاومة والعراقيل التي واجهتها؛ حيث تقول أنّ الموضوع مشَوّش عليه ومثير للجدل، تحكَّمت فيه جمعيات، تحكّم فيه أكاديميون وتحكّمت فيه كذلك حتى الساكنة؛ وتستطرد قائلةً بأنها أصبحت أمام مجموعة من الناس لا يريدون أن يتجاوبوا معها ولا يُريدون أن يُجيبوا عن أسئلتها، وتُرْدِفُ الدكتورة المكاوي موضّحة، بأنها أضحت موضع سؤال وتساؤل؛ “لماذا أشتغل في هذا الموضوع؟ لقد واجهتني تحدّيات جمّة لأنني أشتغل على مجتمع غير متجانس، مجتمع يعيش مجموعة من الصراعات الداخلية؛ حيث أن مجتمع البحث هو من أكبر القرى التي تحتضن أكبر مشروع للطاقة الشمسية في أمريكا اللاتينية، وهي جماعة إثنية، اعتبرتني ساكنتها أنني أشتغل مع شركة من الشركات التي تستثمر في الطاقة الشمسية”.
بعد تقديم عالمة الأنثروبولوجيا الدكتورة أمينة المكاوي لعرضها العلمي المتميز، فُتِحَ باب النقاش من خلال حضور وتفاعل افتراضي كبير فاق كل التوقعات.
العربي كرفاص