هزاع البراري، تغريد الداوود، كمال خلادي، ثلاثة تجارب عربية تنتمي للأجيال الجديدة، كتبت نصوصا درامية للمسرح، التقت في ندوة، ضمن فعاليات الدورة الثلاثون لأيام الشارقة المسرحية والتي تختتم ليلة الجمعة 6مارس، لتناقش موضوع الكتابة تحت الطلب والصنعة. وإذا كان الكاتب الأردني هزاع البراري، قد اتجه الى إعطاء مسح تاريخي لوظيفة الكاتب/المؤلف، والذي يراه اليوم يتعرض لتنازع السلطات، فقد قدمت الكاتبة الكويتية تغريد الداوود، شهادتها مركزة على علاقة الكاتب بالمخرج المسرحي، منبهة للدور الوظيفي المهم للكاتب المسرحي ضمن العملية الابداعية. وميز الكاتب المغربي، كمال خلادي بين بين الكتابة المقاومة والكتابة المقاولة، في محاولته الإجابة على أسئلة: لماذا نكتب؟ ولمن نكتب؟.
وينبه الكاتب البراري، أن المؤلف بدأ يتخلى عن سلطته إجباريا، في محاولة للحفاظ على وجوده، وفي وقت تراجعت فيه سلطته الى المخرج، هذا الأخير الذي تسيد العملية الإبداعية المسرحية، وأمسى مالكا لمفاتيحها. هذا الوضع، كان مآلا لصراع مرير، تداخلت فيه السلطات، وتنازعت بين النص الادبي ونص وسيط ونص العرض، أفضى الى نص هجين يقوم المخرج بإعداده. ومع ظهور مهن جديدة في المسرح، كالدراماتورج، والسينوغراف، الخ.. بدأ الكل يتنازع سلطات الكاتب، بل أمست الصورة تأخذ مكانة الكلمة. إن التحول من مؤلف الى منفذ لطلب المخرج، يقلل من الإبداعية، حسب البراري، وأصالة الإبداع. وركزت الكاتبة الداوود على التهميش المضاعف، الذي يتعرض له المؤلف اليوم، إذ أمسى يحيك النصوص فقط، تنفيذا لرؤية المخرج. وتهميش دور ووظيفة المؤلف، سيؤدي بتعبير الداوود، الى إنتاج مسرحيات هشة.
واختار كمال خلادي، تقديم شهادة رؤيوية، عن علاقة الكتابة بالذات والعالم، في محاولة للإجابة على سؤال الجدوائية والحياة المشتركة، وطابعها المعرفي. في محاولة خلخلة تصوراتنا عن الأشياء، وإبراز الفروق الجوهرية بين الكاتب والكتابة. إن هذه السلطة الرمزية، التي يملكها الكاتب، هي ما تقوده الى كتابة حيوات عديدة، مادام أنه فوض لكتابة حيوات الاخرين. ولا تنبع المشكلة، من صيغة الطلب، مادامت هي كذلك في الأساس، إنما يبرز التمييز بين الكاتبة المقاومة، والكتابة المقاولة. الأولى التي تملك مشروعا وتصورا للعالم، والثانية هي أقرب لثوب يصلح لجميع الأجساد. إن مهنة الكاتب الحقيقية، هي خلق تلك الفسحة الرمادية، المابين، منغمسا بين عوالم ورؤى وأمكنة، وشخصيات.
وعن الإخراج المسرحي وهندسة صالة المتفرجين، اتجه الفنان الجزائري جمال قرمي الى أربعة نقط مركزية، من جدلية العلبة الايطالية الى سوق عكاظ الى التأصيل لهوية مسرحية عربية الى كيفية التماثل بين الجمهور والاخراج المسرحي. ونظرا لطبيعته المسرحية، عاش المسرح العديد من التحولات العميقة خلال مسارات تشكله التاريخي. وإذا كان المسرح عموما، قد استطاع تثوير سينوغرافياته الخاصة، وتجديد كتاباته الإخراجية، فالمسرح العربي لا يزال يبحث عن خصوصيته الى اليوم.
واتجه المخرج المصري إسلام إمام، الى تقديم تجربته الخاصة، محددا تعامله مع الشكل الهندسي للفضاء المسرحي. ويبدو أن اختياراته الدرامية لبعض النصوص المسرحية، هي التي أفرزت له اقتراحات إخراجية للفضاء، من حلبة ملاكمة الى توزيع خاص للجمهور الى التركيز على خلق حميمية بين الفرجة المسرحية وجمهورها.
أما المخرج المغربي حمزة بلعز، فقد تحدث عن تجربة مسرحية رائدة اليوم، تتمثل في المسرح الجوال والمتنقل. حل من حلول أخرى، لمعالجة قضية عزوف الجمهور على مشاهدة العروض المسرحية. فكرة خلق مسرح متنقل، داخل شاحنة بنفس مواصفات العلبة ذاتها، وبحضور جمهور في حدود ما تحدده المقاعد. تجربة تعيد التفكير في هندسة الفضاء المسرحي، وهي التجربة التي تحمست لها منظمات ومؤسسات أوروبية.
واتجه المخرج السوداني عادل حربي الى توصيف العلاقة، بين المسرح والوعي، من خلال العودة للتاريخ. العلاقة بين الجمهور والعرض المسرحي، والتطورات التي حدثت للأشكال الهندسية للفضاء، والثورات المهمة التي حملها القرن العشرين، حيث ظهرت الخشبة المتحركة والصالة الثابتة. وشهد العالم العربي، هو أيضا ظهور حركات مسرحية، كالاحتفالية بالمغرب، وهي تجارب انفتحت على الطقوسية وتجلياتها، في محاولة لبناء علاقة جديدة مع هندسة الصالة.
عبدالحق ميفراني