صدر حديثا للكاتب المسرحي الدكتور فهد الكغاط نص مسرحي جديد بعنوان «الرَّاجِحُ والمُتَعَذِّر» – تجريب في المسرح الكوانتي، عن دار توبقال للنشر بالدار البيضاء.
وقد جاء في التقديم الذي خص به الدكتور محمد ديوري هذا النص المسرحي ما يلي :
«هذا النص هو المتن الثاني في ثلاثية مسرحية من المسرح الكوانتي théâtre quantique، يؤلفها فهد الكغاط، بوصفها مشروعا أدبيا ومسرحيا، منذ بضع سنوات.
لنُذكِّر بأن المؤلف، في متنه الأول، والذي حمل عنوان “الإيقان والارتياب أو يُوٍريبِدِس الجديد”، استوحى من ميكانيكا الكوانتم mécanique quantique مسلّمتين رئيسيتين هما :
– الارتياب الذي يشُوب مآل أي حدث طالما أنه لم يقع بعد، مما يجعل من التطور الذي يسِم الحدث المعادلَ أو النظيرَ لعملية القياس في ميكانيكا الكوانتم، وهي العملية التي تسمح بما يسمى ب “اختزال الحُزْمة المَوْجِيّة”.
– الطبيعة المزدوِجة، المَوْجِيّة والجُسَيْمٍيَّة، للضوء ومن بعد للمادة، والتي ربطها المؤلف بالإنسان في طبيعته المزدوِجة : ملَك وشيطان، خيِّر وشرِّير، جسد وروح.
أما في هذه المسرحية، “الرَّاجِح والمُتَعَذِّر”، فإن المؤلف يستلهم، من ميكانيكا الكوانتم، بالأساس إمكانية تراكب الحالات الكوانتية.
ينص مبدأ تراكب الحالات على أنه من الممكن لنظام كوانتي ما أن يوجد في حالات عدة في الوقت الواحد، كل واحدة منها وقد خُصِّصت باحتمال ظهور أو حدوث. لقد أدهش هذا المبدأ أكثر من فيزيائي شهير، لأنه يُقوِّض يقينيات كل عالم حريص على الفيزياء الكلاسيكية، القائمة على التفرد الذي قد يميز أي نظام، ومن ثم الحتمية التي تحكم كل ظاهرة فيزيانية.
وأما في المتن الثالث، والذي سيحمل بالتأكيد عنوان “المُشابَكة” L’intrication، فإن المؤلف يعتزم الاستلهام من هذه الظاهرة لبناء حبكة مسرحية لن تعدم المفاجأة والإدهاش. ولست هنا أشير إلى هذا الأمر سوى لأؤكد عزم المؤلف إمعان النظر في الأحداث الهامة التي طبعت ميكانيكا الكوانتم، بهدف كتابة ثلاثية تحتضن هذا الجزء من الفيزياء، الذي تطور في الثلث الأول من القرن الماضي.
وللرجوع إلى مبدأ تراكب الحالات والمناقشات التي أثارها، يمكننا القول، إن الفيزياء الكلاسيكية، لمّا كانت تهتم فقط بالنُّظُم الماكروسكوبية، فإنه من المُسوَّغ ألا نتحدث فيها سوى عن النظام الوحيد والأوْحد، والذي لا يمكن أن يكون إلا في حالة وحيدة، لكن بالنسبة إلى ميكانيكا الكوانتم، وهي التي تهتم بالنُّظُم الميكروسكوبية، فإنه لا يمكننا الحديث، في تجربة ما، سوى عن عديد من الأنظمة التي لا يمكن أن تكون كلها في الحالة نفسها، خلافا لـبُرادَة الحديد، التي تتراصف حُبيباتها كلها باتجاه خطوط الحقل المسلط، متى كانت في أحد المجالات المغناطيسية.
إن هذه الأنظمة المتعددة، والتي لا يمكن أن تكون كلها في الحالة نفسها، تفرض معالجة رُجْحانية/احتمالية للحالات التي من الممكن أن تكون فيها النّظم، فتكون النتيجة حينها صورة الحالة الأكثر احتمالا، أي الحالة التي يوجد فيها أكبر عدد من الأنظمة. ومثل هذا الاستنتاج لم تفنِّده التجارب أبدا.
وعلاوة على ما يميز تجربة فهد الكغاط من أصالة وتجديد كبيرين في الأدب المغربي بصفة خاصة والأدب العربي بصفة عامة، وهو ما يتجسد في التأسيس للمسرح الكوانتي العربي، فإن هذا الكاتب، ومن خلال هذه الثلاثية، يستوحى من بيئة باحث فيزيائي متخصص في ميكانيكا الكوانتم.
لنُذكِّر بأنه من المفترض للفيزيائي الكلاسيكي أن يكون النطاق أو الموضع الذي يشغله خارجيا بالنسبة إلى الظاهرة، وهو ما يعني انعدام تأثيره عند إجراء القياس في إحدى التجارب. إنه يحسَب نفسه متفرجا سلبيا لا يتدخل إطلاقا في التجربة. أما في ميكانيكا الكوانتم، فإن المجرّب يضع في اعتباره أنه جزء من التجربة. وهذه هي الحالة في مسرح فهد الكغاط في ما يتعلق بالمتفرج، والذي هو في الوقت نفسه متفرج وممثل، بما أنه يدعى بانتظام للتدخل في سير الحدث.
إن المشاهد، في مسرح فهد الكغاط، جزء من العمل المسرحي لا يتجزأ منه، يتحرك مع الممثلين، ويتوجه إليهم وإلى المتفرجين الآخرين، ويتنقل في القاعة بل وحتى على المسرح؛ لكنه، في نفس الوقت، يحاول ألا يكون عنصراً حاسماً في الحبكة، تاركا للممثلين أمر العناية بأفعالهم وتسلسلها.
لا شك في أن هذا التوجه التجريبي، والذي نجده في مسرحيات فهد الكغاط، ليس بالأمر الجديد في المسرح. لقد وظف من قَبل من قِبل أكثر من مبدع مسرحي، لكنه عند فهد الكغاط يبرز بوصفه عنصرا جوهريا، بما أنه شرط ضروري لمسرح كوانتي يحرص على الانطلاق من الأوليات الرئيسية لفيزياء الكوانتم».
هذا وقد سبق أن صدر للدكتور فهد الكغاط عدد من الكتب منها «تدوين الفرجة المسرحية» (2013)، و «آثار الفرجة المسرحية – تأشير الإخراج المسرحي» (بالفرنسية، 2014)، و «الإيقان والارتياب أو يوريبدس الجديد» – تجريب في المسرح الكوانتي (نص مسرحي، 2016)، و «معجم المسرحيات المغربية – من البداية إلى العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين» (2019). كما أن بعض أعماله المسرحية والنقدية ترجمت إلى الفرنسية والبرتغالية، منها على الخصوص مسرحية «الإيقان والارتياب أو يوريبدس الجديد»، والتي صدرت في ترجمة فرنسية عن لارمتان في باريس سنة 2018.
طنجة الأدبية