شهدت العاصمة الرباط، أمس الثلاثاء، تقديم مؤلَّف جديد بعنوان «الحكم الذاتي في الصحراء المغربية: نحو نموذج مغربي للسيادة المرنة»، للباحث المغربي محمد الغيث ماء العينين، وذلك في لقاء فكري حضره عدد من الأكاديميين والباحثين المتخصصين في قضايا القانون الدولي والسياسة والعلاقات الدولية. ويأتي هذا الإصدار ليغني النقاش العمومي حول قضية الصحراء المغربية من زاوية تحليلية تجمع بين البعد المفاهيمي والتأطير النظري.
ويقترح الكتاب قراءة معمقة لمفاهيم محورية ترتبط بتدبير النزاعات الترابية، من بينها التمييز بين “تراب النزاع” و”تراب الانتماء”، إضافة إلى تفكيك مقاربات “الهندسة السكانية” و”الهندسة التمثيلية”، مع تقديم تصور مفاهيمي جديد يساعد على فهم آليات الإدارة المشتركة بين السلطة المركزية والجهات في إطار الحكم الذاتي.
وخلال مداخلته، أبرز المؤلف أن ملف الصحراء المغربية عرف تحولات حاسمة أسهمت في بلورة مبادرة الحكم الذاتي باعتبارها حلا واقعيا وذا مصداقية، مؤكدا أن المغرب تمكن من تجاوز التراكمات الاستعمارية التي كرستها بعض المحافل الدولية، عبر مسار سيادي وقانوني عززته المسيرة الخضراء وما تلاها من مكتسبات دبلوماسية وتنموية.
وأشار ماء العينين إلى أن النقاش الراهن لم يعد يتمحور حول مبدأ الحكم الذاتي في حد ذاته، بل انتقل إلى مستوى أعمق يتعلق بكيفية تنزيله ترابيا وبشريا ومؤسساتيا، مبرزا أن التجربة الدستورية والديمقراطية التي راكمها المغرب خلال العقدين الأخيرين تتيح شروطا موضوعية لتطبيق حكم ذاتي فعلي في إطار الوحدة الترابية.
كما شدد على أن الخطاب الرسمي الداعي إلى الانفتاح والتعاون الإقليمي يعكس رؤية تعتبر المقترح المغربي عاملا للاستقرار وليس مصدرا للتوتر، مبرزا أن نجاح هذا الورش من شأنه تعزيز الديمقراطية الجهوية وترسيخ التنمية المجالية المتوازنة.
من جهته، اعتبر عبد الفتاح البلعمشي، رئيس المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات، أن أهمية الكتاب تكمن في مقاربته الفكرية والفلسفية لموضوع الحكم الذاتي، حيث لا يكتفي بالشق التقني أو التنفيذي، بل يؤسس لإطار نظري يمنح هذا الخيار عمقا مفاهيميا، خاصة من خلال طرح مفهوم “السيادة المرنة” كآلية للتوفيق بين مقتضيات الوحدة الترابية ومتطلبات التحولات الدولية.
أما الخبير في العلاقات الدولية تاج الدين الحسيني، فرأى أن الإصدار يأتي في لحظة مفصلية تؤكد التحول النوعي الذي تعرفه قضية الصحراء المغربية، مشيرا إلى أن المقترح المغربي يستند إلى تجارب دولية ناجحة في أنماط الحكم اللامركزي والفيدرالي، بما يسمح للجهات بلعب دور محوري في التنمية الشاملة.
وفي السياق ذاته، أبرز الباحث عبد المجيد بلغزال أن قوة مخطط الحكم الذاتي المغربي تكمن في انسجامه مع المعايير الدولية ومنحه صلاحيات واسعة في مجالات التشريع والتمثيل وتدبير الشأن المالي المحلي، وهو ما جعله يحظى بدعم دولي متزايد باعتباره حلا جادا وواقعيا، مؤكدا على أهمية بلورة سردية وطنية متماسكة تجمع بين الشرعية الدولية والإنجازات التنموية الميدانية.
طنجة الأدبية

