حقق كتاب “يوميات سجين”، الذي صدر أمس الأربعاء، انطلاقة مدوية بتصدره قائمة المبيعات المسبقة على موقع أمازون، في مشهد يعكس الاهتمام الكبير الذي أثاره منذ اللحظة الأولى. وفي باريس، تجمع المئات من مؤيدي نيكولا ساركوزي أمام مكتبة لامارتين الراقية في الدائرة السادسة عشرة، منتظرين ساعات لحضور أول حفل توقيع، والذي شهد تدخل ناشطات من حركة “فيمن” وأدى إلى إغلاق شارع كامل.
يقف خلف هذا الإقبال اللافت تخطيط دقيق اعتمده الرئيس الفرنسي السابق، يستند إلى إعادة ترسيخ حضوره في المشهد السياسي واستغلال وضعه غير المسبوق كرئيس سابق للجمهورية قضى فترة داخل السجن. فإلى جانب توثيقه العشرين يومًا التي أمضاها خلف القضبان بعد إدانته في قضية ليبيا – وهي عقوبة مدتها خمس سنوات سيستأنفها في مارس المقبل – استخدم ساركوزي هذه التجربة كمنصة لإطلاق رسائل سياسية مركزة. فقد تناول مستقبل اليمين، وإعادة هيكلة حزب الجمهوريين، والانفتاح على اليمين المتطرف، كما كشف عن مكالمة هاتفية أجراها من زنزانته مع مارين لوبان.
ويرى أرنو بينيديتي، رئيس تحرير مجلة Revue politique et parlementaire، أن الكتاب يتجاوز حدود السرد الشخصي، ويمثل أداة سياسية متكاملة. ويضيف أن كلمات ساركوزي، رغم الأحكام الصادرة بحقه، ما تزال تحمل تأثيرًا واضحًا داخل النقاش العام.
وبحسب فيليب مورو-شيفروليه، أستاذ الاتصال السياسي بمعهد العلوم السياسية في باريس، فقد جاء الكتاب ضمن إستراتيجية سباق مع الزمن بهدف السيطرة على الرواية العامة فورًا. ويوضح أن نشر العمل بسرعة قياسية كان محاولة لتوجيه النقاش العام قبل أن تتكون سرديات مضادة أو روايات شعبية لا تخدم مصالح الرئيس السابق. ولهذا جرى اختيار خطاب هجومي، يقوم على استحضار رموز درامية مثل “كونت مونتي كريستو”، ويجمع بين الحشد العاطفي قبل دخوله السجن والهجوم السياسي بعد الإفراج عنه.
ورغم أن كتب السياسيين نادرًا ما تحظى بإقبال واسع في فرنسا، فإن ساركوزي يشكل استثناءً بارزًا. فشخصيته المثيرة للجدل وتاريخه السياسي الحافل وطريقته المباشرة في التعبير كلها عوامل تضمن له قارئًا وفيًا. كما أن الكتاب يقدم تجربة غير مسبوقة في تاريخ الجمهورية الخامسة والاتحاد الأوروبي، إذ لم يسبق لرئيس فرنسي أن روى تفاصيل حياته من داخل زنزانة.
ويشير بينيديتي إلى أن الفضول الشعبي يشكل جزءًا مهمًا من الاهتمام بالكتاب، فالجمهور، كما يقول، ينجذب دائمًا إلى ما يشبه النظر عبر “ثقب المفتاح” لاستكشاف الحياة الخفية للشخصيات الكبرى. ويضيف أن هذا النوع من الكتب يجمع بين الإثارة السياسية والجاذبية التجارية، ما يجعله منتجًا ناجحًا وفعّالًا بامتياز داخل سوق النشر.
طنجة الأدبية

