شهدت عمّان افتتاح الدورة السادسة عشرة من مهرجان “كرامة سينما الإنسان” بلحظة إنسانية مؤثرة أعادت الوجع الفلسطيني إلى الواجهة، بعدما امتلأت قاعة المركز الثقافي الملكي بصوت الطفلة الشهيدة هند رجب، الذي عاد ليروي حكايتها من جديد عبر فيلم الافتتاح. لم يكن الجمهور أمام عرض سينمائي تقليدي، بل أمام شهادة دامغة تعيد سؤال العدالة إلى السطح، وتذكّر بأن صرخة طفلة محاصرة في غزة كانت أقوى من كل محاولات طمس الحقيقة.
وقد اختار المهرجان للفيلم الافتتاحي العمل الأردني القصير “هند تحت الحصار” للمخرج ناجي سلامة، وهو فيلم يعتمد على المكالمة الأخيرة التي أجرتها هند ذات الأعوام الستة مع طواقم الهلال الأحمر الفلسطيني، بعد أن وجدت نفسها محاصرة داخل سيارة عائلتها التي تعرضت لإطلاق نار في حي تل الهوا. تنقل اللقطات المكثفة التوتر والخوف اللذين عاشتهما الطفلة، مقابل محاولات المسعفة رنا الفقيه لطمأنتها، ليشكل الفيلم نافذة على لحظة تفوق قدرة الكلمات على وصفها، ولتتحول قصة هند إلى رمز يختصر معاناة سكان القطاع تحت القصف.
وأوضح مدير الإنتاج غسان سلامة أن الفيلم جاء ليكشف حقيقة الوحدة العسكرية الإسرائيلية التي قتلت الطفلة، مؤكداً أن العمل يسعى لإعادة رواية القصة كما حدثت بعيدًا عن تزوير الاحتلال. كما يتضمن الفيلم شهادة المسعف عمر علقم الذي بقي على تواصل مع هند حتى اللحظة الأخيرة، قبل أن يستشهد زميلاه يوسف وأحمد بعد وصولهما إليها بلحظات.
ومن بين الحضور حضرت الطالبة لينا حماد التي أكدت أن دافعها لم يكن الاهتمام السينمائي فقط، بل رغبتها في مشاهدة كيف يمكن لصوت طفلة واجهت الموت أن يتحول إلى رسالة تهزّ الضمير العالمي. واعتبرت أن الفيلم ليس مجرد عرض فني، بل موقف أخلاقي يحفظ ذاكرة لا ينبغي أن تُنسى، وأنه يعيد فتح جرح لم يلتئم بعد عام على استشهاد هند.
ويقدّم المهرجان هذا العام أكثر من سبعين فيلمًا من مناطق عربية وآسيوية وأوروبية وأميركية، تتناول جميعها موضوعات إنسانية مختلفة تحت شعار واحد هو صون كرامة الإنسان. كما تتضمن الفعاليات مسابقات للأفلام الوثائقية والإنتاج الحقوقي، وجائزة مخصصة للأفلام الأردنية القصيرة، إضافة إلى ندوات أبرزها “ديمقراطية الصورة” التي تبحث في دور الصورة في تشكيل الوعي وقت النزاعات.
ومنذ انطلاقه عام 2010، استطاع مهرجان “كرامة” ترسيخ نفسه كمنصة دولية لحقوق الإنسان في الأردن، وفضاء للحوار الحر والتفكير النقدي يجمع صناع السينما والجمهور من مختلف الفئات. ومع انتهاء عرض “هند تحت الحصار”، بدا واضحًا أن الفيلم يتجاوز حدود التوثيق، ليحمل رسالة مفادها أن صوت هند لا يزال حاضرًا، يواجه الصمت، ويطالب العالم بأن يرى الحقيقة كاملة كما هي.
طنجة الأدبية

