في إطار مبادرة أطلقتها وزارة الثقافة اللبنانية لإحياء الذاكرة الفنية الوطنية من خلال عرض الأجنحة التي مثّلت لبنان في دورات “بينالي البندقية”، جرى في بيروت افتتاح معرض جديد يستعيد مشاركة الجناح اللبناني لعام 2022 تحت عنوان “العالم في صورة الإنسان”. يجمع المعرض بين الفنان أيمن بعلبكي والمخرجة دانيال عربيد في تجربة بصرية وسمعية تتقاطع فيها قراءات مختلفة لتحولات بيروت العمرانية وحدود العلاقة بين الواقع والمتخيَّل.
يستقطب المعرض، المقام في جناح نهاد السعيد للثقافة بالمتحف الوطني إلى غاية 10 يناير المقبل، إشراف القيّمة الفنية ندى غندور، ويقدّم رحلة تأملية في العالم المعاصر عبر مدينة واحدة وموضوع موحَّد يتجلى في عملين فنيين يبدوان متباعدين في الشكل، لكنهـما يتقاطعان في الجوهر من خلال اشتباك اجتماعي وسياسي وجمالي يعكس التوترات العميقة في المشهد اللبناني.
يتصدر عمل أيمن بعلبكي “بوابة جانوس” (2021) المشهد البصري للمعرض من خلال تركيب ضخم متعدد الوسائط (1100×900 سم) يصوغ رؤية نقدية لعلاقة بيروت بذاتها وبالآخر. يمنح العمل للمدينة وجهين متعارضين: أحدهما يَعِد بصورة مستقبلية مشرقة عبر مشروع عقاري حديث، والآخر يحيل إلى كوخ حارس بسيط يكشف واقعاً مضطرباً خلف الواجهة البراقة. يستلهم الفنان رمز الإله الروماني جانوس بوجهيه المتقابلين ليعكس ازدواجية المدينة بين الطموح والخيبة، وبين الازدهار والهشاشة.
في المقابل، تقدّم المخرجة دانيال عربيد عملاً فيديوياً بعنوان “ألو شيري” (2015 – 2021)، معروضاً على شاشتين لمدة 21 دقيقة، ويشكل مرآة للواقع اليومي في بيروت عبر متابعة امرأة تقود سيارتها وهي غارقة في مكالمات متلاحقة تحاول فيها حل أزماتها المالية. ومن خلال نوافذ السيارة، تتحول المدينة إلى خلفية متوترة تكشف عمق أزماتها الاجتماعية والاقتصادية، فيما يتحول العمل إلى وثيقة شخصية عن والدة الفنانة وشهادة حيّة عن بلد يعيش على حافة الانفجار.
يلتقي عمل بعلبكي وعربيد عند نقطة مركزية: قراءة بيروت كصورة مكثّفة للعالم، حيث تتجاور الحداثة مع الانهيار، ويتداخل الخاص مع العام، وتتحرك الذات في فضاء حضري مسكون بالتقلبات والاضطرابات. ومن خلال هذا الحوار الفني، لا يكتفي المعرض بإعادة تصوير التناقضات اللبنانية، بل يذهب أبعد ليطرح أسئلة وجودية تتعلق بالحالة الإنسانية في ظل عالم يتغير بقسوة وسرعة تحت تأثير التكنولوجيا والتحولات السياسية.
طنجة الأدبية

