الرئيسيةأخبارالدار البيضاء تحتضن أكبر حدث لكتاب الطفل: دورة غنية بالورشات والإصدارات الدولية

الدار البيضاء تحتضن أكبر حدث لكتاب الطفل: دورة غنية بالورشات والإصدارات الدولية

المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب 2025 بالدار البيضاء

يشكل المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب بالدار البيضاء، في دورته الثالثة لعام 2025، محطة ثقافية بارزة داخل المشهد الثقافي الوطني، وملتقى سنوياً ينتظره المهتمون بأدب الطفل، والفاعلون في مجالات التربية والثقافة، والمؤسسات الدولية الداعمة لحقوق الطفل. فبين رفوف الكتب، والورشات التفاعلية، والندوات الفكرية، وفضاءات الإبداع، يلتقي العالم التربوي والثقافي في تجربة واحدة تُعيد الاعتبار لكتاب الطفل، باعتباره رافعة أساسية لبناء وعي الأجيال الناشئة.

افتُتح المعرض هذا العام بفضاء أنفا بارك بالدار البيضاء، تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، بتنظيم من وزارة الشباب والثقافة والتواصل، وبشراكة مع مجلس جهة الدار البيضاء – سطات، وولاية الجهة، ومجلس جماعة الدار البيضاء. ويستضيف المعرض، الذي يستمر إلى غاية 16 نونبر، منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) كضيف شرف، في احتفاءٍ بالشراكة القائمة بينها وبين المملكة المغربية في مجالات حقوق الطفل، والتعليم، والصحة النفسية، وحماية الطفولة.

لوحة رقمية وورقية بألوان المعرفة

تقدم هذه الدورة أزيد من 45 ألف كتاب موجه للأطفال واليافعين، بمشاركة 357 عارضاً من 28 بلداً، منهم 86 عارضاً مباشراً. وتبرز هذه الأرقام اتساع رقعة الاهتمام بأدب الطفل والشباب، ودينامية سوق النشر الموجه للفئات العمرية الصغيرة، التي باتت تشكل جمهوراً حقيقياً له احتياجاته الخاصة، ورغباته، وخيالاته.

وفي قلب هذا التنوع، خصص المعرض فضاءً خاصاً لـ “الأمير الصغير”، العمل العالمي الشهير للكاتب أنطوان دو سانت إكزوبيري، والذي استوحى فصوله بالصحراء المغربية. الفضاء يتيح للأطفال اكتشاف شخصية الأمير الصغير، والتفاعل مع القيم الإنسانية العميقة التي تحملها الرواية: الصداقة، السلام، الطفولة، البساطة، وروح المغامرة.

الكتاب المغربي.. حضور يتقوّى

وفي تصريح خلال الافتتاح، أكد وزير الشباب والثقافة والتواصل، محمد مهدي بنسعيد، أن هذا المعرض يشكل مساحة أساسية لتعزيز القراءة لدى الأجيال الصاعدة، وتقوية حضور الكتاب المغربي على المستويين الوطني والدولي. وأشار إلى أن الوزارة تعمل على برامج متعددة تشجع الأطفال على اكتشاف الثقافة المغربية، وتراثها اللامادي، وتعزيز مهارة القراءة باعتبارها مدخلاً للتعلم مدى الحياة.

كما شدد الوزير على أهمية ناشري كتب الأطفال بالمغرب، مثمناً ابتكاراتهم السنوية، ودورهم في وضع الكتاب الموجّه للأطفال في متناول الأسر المغربية، رغم التحديات التي يعرفها سوق النشر.

القراءة والصناعات الثقافية.. علاقة وثيقة

ولم يفته التأكيد على أن الكتاب يمثل أساس كل الإبداعات الفنية: السينما، الموسيقى، ألعاب الفيديو، والفنون التفاعلية. فالصناعة الإبداعية تبدأ دائماً بالنص، بالقراءة، وبفكرة تُكتب وتتحول لاحقاً إلى مشروع فني أو بصري. ودعا الوزير في هذا الإطار إلى تعزيز المكتبات ومحلات بيع الكتب، حتى تصبح الثقافة متاحة للجميع.

يونيسف.. ضيف شرف برهانات تربوية وإنسانية

من جهتها، عبرت ممثلة اليونيسف بالمغرب، لورا بيل، عن اعتزازها بمشاركة المنظمة كضيف شرف، معتبرة أن هذا الاختيار يعكس قوة الشراكة بين اليونيسف والمغرب. وأكدت أن وجود المنظمة في هذا الحدث يأتي تزامناً مع التحضير لليوم العالمي للطفل (20 نونبر)، وهو مناسبة عالمية لتعزيز الوعي بحقوق الطفل.

وشددت على أن الكتاب يعد وسيلة فعّالة لتثقيف الأطفال حول حقوقهم، وترسيخ وعي مجتمعي بقيم الحماية، والمساواة، والرفاه النفسي والعاطفي.

“أرني ابتسامتك”.. فيلم رسوم متحركة لمكافحة التنمر المدرسي

المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب 2025 بالدار البيضاء
المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب 2025 بالدار البيضاء

 

ضمن فعاليات المعرض، شهد الزوار الإطلاق الرسمي لفيلم الرسوم المتحركة “أرني ابتسامتك”، المخصص لمحاربة التنمر المدرسي، من إنتاج منظمة الإيسيسكو بشراكة مع وزارة الشباب والثقافة والتواصل.

الفيلم جزء من برنامج “كفى تنمّراً” الذي تم إطلاقه قبل سنتين، والذي يعتمد على التعليم والثقافة والفنون كوسائل لمحاربة العنف المدرسي والتوعية بالصحة النفسية.

مقاربة جديدة للتوعية عبر الفن

حسن الحجامي، الخبير بالإيسيسكو، أكد أن البرنامج يندرج ضمن رؤية شمولية تهدف إلى الوقاية من السلوكات العنيفة عبر التربية الثقافية. وأوضح أن الفيلم سيتم نشره بشكل واسع عبر المنصات الرقمية، ليصل إلى أكبر عدد ممكن من الأطفال والمراهقين.

كما أشار عبد الغني البيضي، من وزارة الشباب والثقافة والتواصل، إلى أن الهدف من الفيلم هو تحسيس الأطفال والشباب بالمخاطر الحقيقية للتنمر في المدارس ودور الشباب والمخيمات الصيفية، مؤكداً أن إنتاج محتوى بصري موجه للأطفال يمثل وسيلة فعالة لغرس ثقافة الاحترام، والاختلاف، والتسامح.

إبداع يشرك الأطفال في عملية الإنتاج

المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب 2025 بالدار البيضاء
المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب 2025 بالدار البيضاء

 

أما كريم حميدوش، الأمين العام بالنيابة للجنة الوطنية للتربية والثقافة، فكشف أن الفيلم مر عبر مراحل إبداعية جذابة، بدأت بمسابقة وطنية لكتابة قصة حوارية حول التنمر، ثم مسابقة ثانية للرسم. وتم تحويل العمل الفائز إلى فيلم رسوم متحركة، مما أتاح مشاركة حقيقية للأطفال في صناعة رسالة تربوية موجهة إليهم.

وأشار إلى نشر القصة في شكل ورقي ورقمي لتسهيل التداول داخل المؤسسات التعليمية، بهدف بناء بيئة مدرسية أكثر احتراماً ودمجاً.

التربية الفنية.. جسر للسلام وثقافة العيش المشترك

وفي سياق الاهتمام بقيم التعايش داخل المعرض، نظمت وكالة بيت مال القدس الشريف ندوة بعنوان “دور التربية الفنية في تعزيز قيم المحبة والسلام لدى الأطفال: ألوان القدس نموذجاً”.

الفن.. أداة تربوية لا غنى عنها

الفنان والناقد بن يونس عميروش أكد أن التربية الفنية تسهم في بناء شخصية الطفل، وتعزز لديه القدرة على التعبير عن ذاته، وفهم محيطه، والتفاعل الإيجابي مع الآخرين. كما أبرز أهمية حضور القضية الفلسطينية في البرامج التربوية المغربية، باعتبارها مرجعاً لقيم التضامن والعدالة.

الأستاذ حسن اليوسفي بدوره اعتبر أن التربية الفنية والثقافية رافعة أساسية لتحقيق التنمية البشرية، مستشهداً بإطار اليونسكو المرجعي لتعليم الفنون. وأكد أن التربية الفنية اليوم تشمل التراث، والعيش المشترك، والتنوع الثقافي، وليس فقط الفنون البصرية والموسيقية.

الفن كطاقة للحوار

أما الباحث محمد المنصوري الإدريسي فاعتبر أن الفن يساهم في تعزيز الذوق الجمالي والشعور بالانتماء، وهو “بهجة الروح” التي تسمح للطفل بفهم العالم من حوله. وسلط الضوء على أهمية المسرح والرسم والموسيقى كوسائل لغرس ثقافة التعاون، والحوار، والاحترام.

بيت مال القدس.. ذاكرة وقيم

وخلال تصريح إعلامي، أكد محمد سالم الشرقاوي، المدير المكلف بتسيير الوكالة، أن مشاركة المؤسسة تندرج ضمن مسؤوليتها في نشر قيم الوحدة والعدالة والسلام. وكشف عن الفضاء المخصص للطفل الفلسطيني داخل المعرض، والذي يقدم أنشطة تفاعلية تحمل رسائل تربوية وإنسانية، إضافة إلى التطبيق الرقمي “هيا” الموجه لتعليم الأطفال تاريخ القدس بطريقة ممتعة.

ورشات وأنشطة تثري التجربة القرائية للأطفال

يقدم المعرض برنامجاً ثرياً موجهاً للأطفال والشباب، يشمل:

  • ورشات القصص المصورة

  • ورشات الكتابة الإبداعية

  • ورشات صناعة المحتوى الثقافي

  • ورشات الرسم والتلوين

  • أنشطة مسرحية وتربوية

  • فضاءات قراءة تفاعلية

بمجموع 80 لقاء ثقافياً وأكثر من 1360 نشاطاً موجهاً للأطفال واليافعين، يشكل المعرض حدثاً فريداً يعيد مركزية الطفل داخل السياسات الثقافية الوطنية.

معرض 2025.. رؤية مستقبلية لثقافة الطفل

تأتي هذه النسخة في سياق وطني ودولي يعرف اهتماماً متزايداً بقضايا الطفل، خاصة في ظل التحولات الرقمية التي فرضت تغييرات جوهرية في طرق التعلم والاستهلاك الثقافي. ومن خلال مشاركة مؤسسات دولية كاليونيسف والإيسيسكو وبيت مال القدس، يعكس المعرض رغبة واضحة في جعل الطفل محوراً لكل المشاريع التربوية والثقافية.

فالكتاب هنا ليس مجرد وسيلة للترفيه، بل هو أداة لتشكيل الوعي، ومحاربة التنمر، وتعزيز قيم السلام، وبناء جسور الحوار. إنها رسالة تؤكد أن ثقافة الطفل ليست هامشاً ثقافياً، بل أساس بناء مجتمع متوازن، منفتح، ومؤمن بقيم التعايش.

طنجة الأدبية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *