يقدّم متحف تيسين-بورنيميسا في مدريد تجربة فنية فريدة من نوعها من خلال معرضه الجديد بعنوان “بيكاسو وكلي في مجموعة هاينتس بيرغرون”، الذي يستمر حتى الأول من فبراير 2026، ويعيد إلى الواجهة أحد أعمق الحوارات الفنية في القرن العشرين. يضم المعرض أكثر من خمسين عملاً فنياً من روائع بابلو بيكاسو وبول كلي، مأخوذة من مقتنيات تاجر الفن الألماني الشهير هاينتس بيرغرون، والتي أصبحت اليوم جزءاً من متحف بيرغرون في برلين.
يشكّل هذا اللقاء الفني حواراً بصرياً بين عالمين متناقضين ومتداخلين في آن واحد: الجنوب المتوسطي المفعم بالعاطفة والحدس في أعمال بيكاسو، والشمال الأوروبي المائل إلى التأمل والعقلانية في إبداعات كلي. يقوم المعرض على أربعة محاور أساسية في تاريخ الفن، هي البورتريه والمنظر الطبيعي والطبيعة الصامتة والعري، لكنه يعيد قراءتها من منظور جديد يجمع بين الفلسفة والتجريب الجمالي.
في هذا الفضاء الفني، يظهر بيكاسو بروحه الجريئة التي تحتفي بالجسد والانفعال، في حين يتّجه كلي نحو التجريد والنغم البصري الذي يقترب من الموسيقى، لتتشكّل بينهما مساحة من الانسجام رغم اختلاف المنطلقات. اختار القيمان على المعرض، بالوما ألاركو وغابرييل مونتوا، أن يكون العرض بمثابة حوار هادئ لا صدام فيه، بل تبادل بين الفكر والإحساس، بين الخط الدقيق لدى كلي والكتلة المتفجرة بالعاطفة عند بيكاسو.
تتوزع الأعمال عبر أربع قاعات رئيسية تمنح الزائر رحلة بصرية متكاملة. في قاعة “الوجوه والأقنعة”، تتحول الوجوه إلى أقنعة تكشف أعماق النفس أكثر مما تخفيها، بينما تحتضن قاعة “المناظر الطبيعية” تصورات كلي الخيالية التي تمزج بين المدن والأساطير. أما قاعة “الطبيعة الصامتة”، فتقدم أعمالاً صغيرة الحجم تنبض بالتجريب في الضوء والمادة، قبل أن يصل المسار إلى قسم “العري والأرليكينات” حيث تتقاطع شخصيات بيكاسو المسرحية مع الأجساد الرمزية التي ابتكرها كلي.
ولا يقف المعرض عند حدّ الجمال البصري، بل يتجاوزه إلى بعد ثقافي وتاريخي عميق، إذ يربط بين إرث اثنين من أبرز جامعي الفن في القرن العشرين: هاينريش فون تيسين-بورنيميسا وهاينتس بيرغرون، اللذين أسهما في تأسيس متحفين عموميين في مدريد وبرلين. وخلال حفل الافتتاح، أشار أوليفييه بيرغرون، نجل هاينتس، إلى أن والده بدأ مجموعته بلوحة مائية لبول كلي عام 1940، قبل أن يضيف إليها أعمالاً لبيكاسو وماتيس وسيزان، جامعاً بين روح الحداثة وتنوعها الفني الخلاق.
طنجة الأدبية

