اختُتم في العاصمة الألمانية برلين معرض الكتاب العربي “الديوان – البيت الثقافي العربي”، الذي نظمته سفارة دولة قطر لدى ألمانيا، في أجواء ثقافية جمعت بين الفكر والإبداع والتفاعل الإنساني. تحولت قاعات فندق إستربل، من 24 إلى 26 أكتوبر الجاري، إلى فضاء للحوار والتلاقح الثقافي تحت شعار معبر: “في حضرة الكتاب تلتقي الثقافات وتزهر الحوارات”، بمشاركة نحو مئة دار نشر عربية وأجنبية.
لم يكن المعرض مجرد منصة لعرض الكتب، بل مساحة نابضة للحوار والتأمل في دور الكلمة والمعرفة كجسور للتفاهم بين الشعوب. هذا ما أكده مدير الديوان الدكتور لورنس الحناوي، الذي أوضح أن الكتاب العربي قادر على أن يكون أداة تواصل حضاري في زمن تتسارع فيه التحولات الفكرية والتقنية. وأشار إلى أن اختيار برلين، المدينة التي تجتمع فيها الثقافات، لم يكن صدفة، بل نابع من رؤية تسعى إلى جعل الكتاب العربي جزءاً من الحراك الثقافي العالمي، في انسجام مع رؤية قطر الوطنية 2030 التي تضع التنمية الثقافية والإنسانية في جوهرها.
النسخة الثالثة من “الديوان” تميزت بإلقاء الضوء على الترجمة والرواية الخليجية المعاصرة، في محاولة لإعادة تعريف الذات العربية أمام العالم عبر السرد الإنساني بدلاً من الخطاب السياسي أو التاريخي التقليدي. ومن أبرز فعاليات المعرض ندوة “الرواية العربية المعاصرة في الخليج – الكاتبات في دائرة الضوء”، التي خصصت للرواية القطرية ودور المرأة في المشهد السردي، إضافة إلى محاضرة ألقتها الدكتورة نورة الخنجي من جامعة قطر، شهدت تفاعلاً واسعاً من الحضور.
كما كان للشعر حضوره الخاص من خلال جلسة “من رمل سيلين إلى أرصفة برلين”، التي جمعت بين الفصيح والنبطي والألماني في حوار ثقافي راقٍ، شارك فيه الشاعر القطري علي بن أحمد الكواري والمترجم الألماني شتيفان فايدنر والدكتور سرجون كرم، بإدارة المستشرقة البارزة البروفسورة كلاوديا أوت. وناقشت الجلسة تحديات ترجمة الشعر ونقل المعنى بين اللغات دون فقدان روحه الأصلية.
ولم يغب عن المعرض التطرق إلى العقبات التي تواجه حضور الكتاب العربي في أوروبا، إذ خُصصت ندوة لمناقشة واقع الترجمة بين العربية والألمانية بمشاركة عدد من الخبراء. وأشار الدكتور الحناوي إلى معضلتين أساسيتين: ندرة المترجمين المؤهلين، وضعف الدعم المؤسسي العربي لهذا المجال، مؤكداً أن الديوان يسعى ليكون همزة وصل لتقليص هذه الفجوة.
وتناولت جلسة أخرى أهمية معارض الكتب في دعم الحوار الثقافي العالمي، بمشاركة شخصيات عربية ودولية من بينها جاسم البوعينين، مدير معرض الدوحة الدولي للكتاب، وبشار شبارو، الأمين العام لاتحاد الناشرين العرب.
وفي ظل التحولات الرقمية وتغير سلوك القراءة لدى الأجيال الجديدة، عمل المنظمون على دمج التجربة الورقية بعناصر رقمية وتفاعلية لجذب الشباب والأطفال، حيث توافدت أسر عربية مقيمة في ألمانيا لزيارة أجنحة كتب الأطفال التي لاقت اهتماماً واسعاً.
وشدد الحناوي على أن معرض “الديوان” لا يكتفي بالاحتفال بالكتاب، بل يسعى إلى إرساء أثر مؤسسي مستدام، موضحاً أن هذا الهدف بدأ يتحقق من خلال اتفاقية تعاون بين دار جامعة حمد بن خليفة للنشر ودار “إيدشن أورينت” الألمانية، لإصدار كتب أطفال ثنائية اللغة.
وفي ختام فعاليات المعرض، عبّر الحناوي عن تفاؤله بمستقبل الأدب العربي في ألمانيا، مشيراً إلى تزايد الاهتمام الأوروبي بالأعمال الأدبية التي تقدم صورة إنسانية للعالم العربي، بعيداً عن القوالب النمطية، مؤكداً أن الكلمة ما زالت قادرة على الجمع بين الشعوب، وأن الكتاب العربي يواصل رحلته نحو العالمية بخطى ثابتة.
طنجة الأدبية

