يتصدّر عمل حروفي ضخم للفنان التونسي عمر الجمني واجهة معرض الخطاطين التونسيين في دورته الثانية عشرة، المقام داخل كنيسة سانت كروا في قلب المدينة العتيقة بالعاصمة تونس، حيث يجسّد الخط المغاربي بعبارات من مقدمة ابن خلدون مرفقة برسمٍ للعلامة الشهير، في لوحة تحمل توقيعه المميز.
المعرض الذي يُختتم نهاية الشهر الجاري، يضم أكثر من ثلاثة وستين عملاً تشكيلياً لعشرات الفنانين والخطاطين، يجمعهم هاجس التعبير عن الروحانيات والحب، وهما الموضوعان اللذان يهيمنان على هذه الدورة. ويبدو حضور الروحانيات في الخط العربي أمراً طبيعياً، إذ يرتبط تاريخ هذا الفن ارتباطاً وثيقاً بالبعد الديني، كما تؤكد المستشرقة الألمانية آن ماري شيمل في كتابها «فن الخط والثقافة الإسلامية»، حين تشير إلى أن الحروف العربية تُعدّ أثمن ما ورثه المسلمون عبر العصور لأنها كتبت بها آيات القرآن الكريم.
ويُجسّد المعرض بدوره هذا الامتداد التاريخي في تونس، حيث شكّل الخط العربي منذ قرون جزءاً من هوية البلاد الجمالية والحضارية، عبر مدارس متعددة أبرزها الخط القيرواني، الذي يُعدّ امتداداً للكوفي القديم، والخط المغربي الذي تبلور في أواخر العصور الوسطى نتيجة التفاعل بين التأثيرات الأندلسية والمحلية.
في أروقة المعرض، اختار الخطاط نجيب هميلة الخط المغربي المبسوط لكتابة آيات من سورة مريم، بينما استعانت شيماء عمران بالخط القيرواني المزخرف لتخطيط الفاتحة وبدايات سورة البقرة. أما الفنان عامر بن جدو فاختار عبارات تراثية بلمسة قيروانية في عمله “ما عام أمطر من عام”، في حين أعادت آمال الأشهب في لوحتها “رؤيا” إحياء مخطوط قديم للشاعر والمتصوف ميلاد الشريف.
ولا يقتصر المعرض على الروحانيات وحدها، بل يتسع للحب كقيمة إنسانية وجمالية، حيث قدّمت الخطاطة الأوكرانية أنجيليكا تيتكوفا عملين تحت شعار “حب”، جمعت فيهما بين آيات قرآنية وأبيات شعرية معاصرة لتأكيد أن “لا حدود للحب”. كما جسدت فاتن بن جبارة مشاعر المحبة الأخوية في عمل بعنوان “المرء بأخيه”، وعبّرت عن حب الطبيعة في “دار البلابل”، بينما كرّمت فلسطين بلوحة كتبت فيها مطلع قصيدة محمود درويش “سجّل أنا عربي”.
تنظّم المعرض الجمعية التونسية لفنون الخط، وهي هيئة مدنية تعمل على توسيع حضور هذا الفن خارج الأطر الرسمية التي مثّلها المركز الوطني لفنون الخط منذ تأسيسه سنة 1994. غير أن الخطاطة آمال الأشهب ترى أن التظاهرة رغم أهميتها لا تزال محدودة التأثير، بسبب قلّة عدد المعارض، وتركّزها في العاصمة دون بقية الجهات، إلى جانب ضعف العائد المادي للفنانين، إذ تراوحت أسعار اللوحات بين 50 وألف دولار فقط، مع استثناءات قليلة لأعمال نادرة كعمل عمر الجمني.
ورغم أن بعض اللوحات عُلّقت مكانها علامة البيع، فإن عدد المقتنيات يظل ضئيلاً، كما لاحظ الزوار في اليوم السابع من المعرض، في وقت تعاني فيه الفنون الخطية من تراجع الإقبال العام رغم ثرائها الجمالي والتاريخي.
تجدر الإشارة إلى أن كنيسة سانت كروا التي تحتضن المعرض شُيّدت سنة 1647 بأمر من الكنيسة الفرنسية لتكون مكاناً للصلاة للأسرى المسيحيين في تونس القديمة، قبل أن تتحول اليوم إلى فضاء يحتفي بجمال الحروف العربية وأصالة التراث.
طنجة الأدبية

