على مدى أربعة عقود، ظلّ الروائي والشاعر الفلسطيني الأردني إبراهيم نصر الله ينسج من التاريخ الفلسطيني خيوطاً لحكاياته، مقدماً رؤية سردية تعيد تأويل الحدث الوطني في سياقه الإنساني والاجتماعي. هذه الرؤية المتفرّدة كانت أحد أسباب فوزه بجائزة نيوستاد العالمية للأدب – التي تُعرف بلقب “نوبل الأميركية” – والتي تمنحها جامعة أوكلاهوما ومجلة الأدب العالمي اليوم تكريماً لأبرز الكتّاب في العالم.
في حديثه إلى العربي الجديد بعد الإعلان عن فوزه، عبّر نصر الله عن سعادته بالجائزة قائلاً: “إنها احتفاء بمشروع حياة كامل، هو مشروع الملهاة الفلسطينية وما رافقه من أعمال شعرية وروائية، في لحظةٍ يتصاعد فيها الصراع بين السرديات، وتبدأ الرواية الصهيونية للمرة الأولى في الانهيار.” وأضاف أن هذا الفوز يؤكد حضور الأدب العربي على الساحة العالمية وقدرته على منافسة اللغات الكبرى، خاصة حين تكون فلسطين هي جوهر السؤال الإنساني.
من جهته، وصف المدير التنفيذي لمجلة الأدب العالمي اليوم، روبرت كون ديفيس-أونديانو، فوز نصر الله بأنه “لحظة فارقة في إعادة النظر الغربية في الثقافة الفلسطينية”، معلناً عن تنظيم مهرجان نيوستاد الأدبي في أكتوبر 2026 تكريماً له ولمناقشة منجزه الإبداعي. وأكد أن الجائزة، التي أُسست عام 1970، تُعدّ من أندر الجوائز العالمية التي تضع الشعراء والروائيين والمسرحيين على قدم المساواة، وتُمنح مرة كل عامين لكاتب على قيد الحياة تقديراً لمجمل إبداعه.
وفي بيان ترشيح نصر الله، كتبت الكاتبة الفلسطينية شيرين مالهربي أن أعماله “تتجاوز حدود النضال الفلسطيني لتقدّم خطاباً إنسانياً كونياً يتيح للقراء رؤية فلسطين خارج الإطار الاستعماري”، معتبرة أن الوقت قد حان ليرى العالم “فلسطين الحقيقية” عبر كتاباته.
ويُعدّ نصر الله أول كاتب عربي ينال هذه الجائزة منذ تأسيسها، بعد وصوله إلى القائمة النهائية التي ضمت ثمانية أدباء من أميركا وفرنسا والصين وأوكرانيا واليابان وتركيا والسودان. وتجدر الإشارة إلى أن 32 من الفائزين أو المرشحين لجائزة نيوستاد حصلوا لاحقاً على جائزة نوبل للآداب، من بينهم غابرييل غارسيا ماركيز، نادين غورديمر، أليس مونرو، وأورهان باموك.
وقد رُشّح نصر الله للجائزة بروايته الشهيرة “زمن الخيول البيضاء”، التي ترجمتها نانسي روبرتس، وتمثل حجر الزاوية في مشروعه “الملهاة الفلسطينية”، إذ ترصد جذور القضية الفلسطينية منذ نهايات القرن التاسع عشر حتى عام النكبة 1948. في هذا العمل الملحمي، يصوّر نصر الله حياة القرى الفلسطينية، نضال أهلها ضد الاستعمارين العثماني والبريطاني، ثم الهجرة اليهودية، مستخدماً لغة شاعرية وأسلوباً ملحمياً يضفي على الشخصيات بعداً أسطورياً.
وقد وصفت الناقدة سلمى الخضراء الجيوسي الرواية بأنها “الإلياذة الفلسطينية المنتظرة”، لما حملته من دقة تاريخية وحس إنساني عميق يعيد صياغة المأساة الفلسطينية بعيون أهلها لا من خلال روايات الآخرين.
نصر الله، الذي نشأ في مخيم الوحدات في عمّان، أصدر أكثر من 40 عملاً بين رواية وديوان، منها مشروع “الملهاة الفلسطينية” و“الشرفات”، ونال عدداً من الجوائز المرموقة، بينها البوكر العربية وكتارا وجائزة فلسطين للآداب. وقد تُرجمت أعماله إلى أكثر من 10 لغات، ودرست في عشرات الجامعات حول العالم، ما جعله أحد أبرز الأصوات العربية في الأدب العالمي.
بهذا التتويج، لا يحتفي العالم بإبداع كاتب فلسطيني فحسب، بل يُكرّم سرداً جمع بين التاريخ والهوية والمقاومة، وفتح للأدب العربي نافذة أوسع على الخلود الإنساني.
طنجة الأدبية

