شهدت مدينة وجدة أمس الأربعاء ندوة فكرية حملت عنوان “الموجة والرواية”، جمعت نخبة من الروائيين والكتاب العرب ضمن فعاليات الدورة الخامسة للمعرض المغاربي للكتاب “آداب مغاربية”، المنعقد من 7 إلى 12 أكتوبر الجاري تحت شعار “أن نقيم في العالم ونكتبه”. وقد شكل اللقاء مناسبة لمناقشة تحولات الكتابة الروائية العربية وما تطرحه من رهانات فكرية وجمالية في تناول قضايا الإنسان والمجتمع، مع إبراز علاقة الرواية بالموجات الأدبية الجديدة وقدرتها على تجديد لغتها وأساليبها في ظل التغيّرات الكبرى التي يشهدها العالم.
في مداخلته، اعتبر الشاعر والروائي محمد الأشعري أن الحديث عن “الموجة” في الرواية العربية لا يعدو كونه توصيفاً لغوياً لتطورات لا تزال محدودة ومتفرقة، موضحاً أن تجربته على رأس لجنة تحكيم جائزة البوكر لعام 2023 كشفت عن وجود روايات عربية تضاهي ما يُكتب في الأدب العالمي، إلى جانب نصوص ضعيفة لكتّاب ناشئين لم يستوعبوا بعد متطلبات الكتابة الروائية. وأضاف الأشعري أن الاهتمام المتزايد بالجوائز الأدبية أسهم في خلق زخم من الإنتاج الأدبي، متفاوت الجودة، معتبراً أن الإبداع الأدبي في جوهره مساحة حرة للتجريب والعبور بين الأجناس الأدبية المختلفة.
أما الروائية التونسية أميرة غنيم، فأشارت إلى أن مفهوم “الموجة” لا يحمل بالضرورة دلالة إيجابية، إذ قد يظهر كظاهرة مؤقتة لا تترك أثراً جوهرياً. وأكدت أن الرواية تنتمي إلى اللغة التي تُكتب بها، فالرواية بالعربية هي رواية عربية، بينما تلك المكتوبة بالفرنسية أو الإنجليزية تنتمي إلى أدب تلك اللغات مهما كان انتماء كاتبها. كما أبرزت غنيم أن الرواية العربية شهدت خلال السنوات الأخيرة طفرة في الإنتاج بفضل انتشار دور النشر وسهولة الطباعة، إضافة إلى الدور التحفيزي الذي لعبته الجوائز الأدبية. لكنها لفتت في المقابل إلى أن ضعف القراءة في العالم العربي يحد من تأثير هذا الإنتاج الثقافي رغم غزارته.
وركز المتحدثون في الندوة على أن التحولات الاجتماعية والسياسية كثيراً ما تدفع الكتاب إلى خوض غمار الرواية، لما تمنحه من مساحة واسعة لالتقاط تفاصيل المجتمع وأسئلته الكبرى. وأكدوا أن تشجيع القراءة وتوسيع قاعدة القراء يعدان شرطين أساسيين لتطوير المشهد الروائي العربي، إلى جانب دعم الكتاب ودور النشر لتمكين الأدب العربي من مجاراة الموجات الإبداعية الجديدة والانفتاح على قراءات متعددة.
ويحتضن المعرض المغاربي للكتاب على مدى أسبوع سلسلة من الورش التفاعلية واللقاءات الفنية الموجهة للشباب والأطفال، إضافة إلى أنشطته الثقافية التي تمتد إلى الجامعات والمؤسسات التعليمية والسجنية بوجدة، في تجسيد عملي لفكرة أن الثقافة حق مشترك وجسر نحو آفاق إنسانية أرحب. كما يضم المعرض رواقاً فنياً لفناني جهة الشرق بمشاركة طلبة مدرسة الفنون الجميلة، حيث يتلاقى اللون مع الكلمة في لوحة بليغة للإبداع المتكامل. بذلك يواصل المعرض ترسيخ مكانته كمنصة للحوار الفكري والتنوع الثقافي، مؤكداً على الدور الريادي لمدينة وجدة كعاصمة للكتاب والقراءة، وعلى مساهمة المغرب الفعالة في الإشعاع الثقافي المغاربي والمتوسطي.
طنجة الأدبية

