الرئيسيةأخباراطلالات: التفاهة تتصدر، والعقل يُقصى: هل لا زال لنا أمل في مغرب الغد؟

اطلالات: التفاهة تتصدر، والعقل يُقصى: هل لا زال لنا أمل في مغرب الغد؟

ثورة الملك والشعب

في زمن تكرّست فيه الرداءة كعنوان يومي، يكاد الأمل يتحول إلى ترف فكري، أو إلى نوع من “السذاجة السياسية” في نظر البعض. يتساءل المواطن المتابع بقلق: كيف نراهن على انتخابات نزيهة، وعلى انتقال ديمقراطي حقيقي، وعلى غدٍ أفضل، ونحن لم نحل بعد مشاكل الأمس؟ قضايا تتوارث من ولاية انتخابية إلى أخرى كما لو كانت لعنة لا فكاك منها: التعليم المهترئ، الصحة المترنحة، التشغيل العاجز، والعدالة الاجتماعية الغائبة.

 

كلّها ملفات لا تُفتح إلا موسمياً، في خطب خشبية وشعارات جوفاء، ثم يُطوى الحديث عنها في أدراج النسيان، أو يُستبدل بـ”حملات تواصلية” تتقن التجميل أكثر من الإنجاز.

 

لكن لعلّ ما يُحبط أكثر من بطء الإصلاح، هو هذا التسارع المذهل في انحدار الذوق العام، وتصدّر التفاهة لكل منصات التأثير. كيف نفهم أن مئات الآلاف، بل الملايين، يتابعون محتوى تحت عناوين من قبيل: “سيعود إليك راكعًا إن طبّقت هذه الخطة!” أو “سر الخطة  لتجعل حبيبك لا ينام!”؟ بل إن ما يُفجع أكثر هو أن من يروّج لمثل هذا المحتوى يصفون أنفسهم بـ”المؤثرين”، ويملكون جماهير بالملايين على منصات التواصل، دون أي مساءلة عن أثر ما ينشرون أو مستوى ما يقدّمونه.

لقد أصبح الشواف/الشوافة المؤثر الجديد، وحلّ محل المثقف والناقد والفاعل المجتمعي، في مفارقة لا تحدث إلا حين تختلط المعايير وتُغتال الكفاءة باسم “ما يطلبه الجمهور”، حتى على منصات الفن التي عايشت الزمن الجميل لرقي الذوق في الكلمة والمعنى والموسيقى … أصبحت هذه المنصات الخشبية اكثر إحساسا وغيرة ممن يعايشون موجة ما يطلبه ذوق المجتمع أو الشماعة الجديدة الشباب ، أصبحت هذه المنصات الخشبية التي اعتلاها الفنانون الحقيقيون تئن اشتياقا لهم ولزمن أخذ فيه قطاع الفن مهمة تهذيب الذوق وليس الرضوخ للتافهين ونشر ذوقهم ليصبح الأصل الرداءة والاستثناء هو الجيد .

 

هذا الانقلاب في منظومة الذوق، ليس مجرد صدفة ولا “حرية ذوق”، بل نتيجة لسياسات تواطأت، بوعي أو بجهل، على تجهيل المجتمع، وعلى تقزيم الطموح الجماعي، وإلهاء الناس عن التفكير في ما هو جوهري بموجات من العبث المعلّب.

 

لكن، رغم كل هذا، هل نسقط في اليأس؟ هل نوقن بأن التغيير مستحيل؟

الجواب، برأيي، لا.

ليس لأن الأوضاع تبشّر بالخير – فهي لا تفعل – بل لأن الاستسلام يعني ترك البلد كلّه في أيدي من لا يؤمنون بالعلم، ولا بالديمقراطية، ولا بالكرامة. واليأس، فوق كونه خيانة للذات، هو خيانة لمقاومي الاستعمار الذين افتدوا هذا الوطن بدمائهم، ولرجال ونساء ثورة الملك والشعب الاستثنائية، ولأجيالٍ حلمت بمغرب يليق بتضحياتها.

 

الأمل لا يعني الإنكار، بل يعني الإيمان بأن التغيير – وإن كان صعبًا – يبدأ من الوعي، ومن النقد، ومن الموقف الفردي الذي لا يُساير التفاهة، ولا يُصفّق للفراغ، ولا يتواطأ مع الرداءة تحت مسمّى “الواقعية”.

 

الذين يكتبون، يطرحون الأسئلة، يفضحون الزيف، يبادرون في محيطهم، يربّون أبناءهم على قيم العقل لا الخرافة، هم جنود في معركة هادئة لكنها مصيرية.

إننا لا نطالب بمعجزات، بل فقط بألا يكون العقل مستثنى من المشهد، وألا تُكافأ الرداءة على حساب الكفاءة.

 

نعم، ما نعيشه اليوم من انفصام بين عمق الأزمة وسطحية النقاش العام، بين خطورة المرحلة وتفاهة المحتوى السائد، يجعل الطريق وعرة. لكن التاريخ لا يتحرك دفعة واحدة، بل يتقدّم بفعل تراكمات بطيئة، تقودها أقلية واعية، مصرة، متيقظة.

 

ولعلّك، عزيزي القارئ، واحد من هذه الأقلية. وهذا وحده، بداية الأمل.

الدكتورة نزهة الماموني
الدكتورة نزهة الماموني

الدكتورة نزهة الماموني

تعليقان

  1. سلمى

    كل التوفيق استاذتي الجليلة

  2. Nahid mengad

    كلمات تصيب جوهر الداء وتوقظ حس المسؤولية في زمن طغت فيه الرداءة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *