:- اعرفه، معرفة شخصية. قالت سماء. من ثم ساد الصمت المطبق.. تاليا، بعد عدة ثواني، أخذ يرن في اذنيَ؛ حوار، يدور حولي. عيناي تفتر في هذه الاثناء على الوجوه. تسمرت في النهاية على وجه سماء..
:- احبك.
قالتها بعد ان انتهينا معا من السباحة في اليم العميق من العشق، الممتلىء بالحركة والحيوية والثراء. الى الآن صورتها، صورة حقيقية مدفونة في دماغي، لكنها دوما راكضة في ممرات دماغي؛ ترفض ان لا تكون الا فيه مع انها كانت قد غابت من كل حياتي منذ عدة سنوات. تتحول في كل لحظة صفاء او لحظات اخلوا فيها مع نفسي في بيتي او في الشارع واحيانا في الدائرة التي اعمل فيها، في غرفة عملي، في أخر ساعة، قبل انتهاء الدوام الرسمي؛ عندما يعم ويسيطر الصمت والسكون على جميع غرف الدائرة وحتى ممراتها الى صورة حلمية، كأنها حقيقية. هكذا اجدني في يقظتي اشعر حلما، بوجودها حين تأتيني في هذه اللحظات. تسمعني كلمات كنت قد سمعتها منها مرارا وتكرارا، عندما اصبح الزمن غير الزمن الذي كنا فيه، قبل ان تتفرق بنا دروب الحياة.
:- أياد، صحيح انا وانت نختلف في الرأي والرؤية والموقف من الحياة، إنما الحب كفيل بتجسير الهوة او الفراغ بيننا.
:- طروحاتك، موقفك.. لم تدعني اكمل فقد قالت بحدة كما هي عادتها في كل مرة، نختلف فيها.
:- انت تريدني ان اتعايش مع ما لا يمكن التعايش معه. تريد مني ان اتحول الى دمية يتم اللعب بها حسب الطريقة التي يراد مني ان العبها وليس ما ارغب واريد من طريقة..
:- قولك هذا صحيح من جانب، وغير صحيح من الجانب الثاني. الإرادة الحرة، غير مقيده بإرادة الأخر مهما كان، والا لم تعد إرادة حرة ابدا، وفي كل الاحوال.
لم اقترن بها. خلال اكثر من اربع سنوات، من علاقة قوية ومتينة، استمرت بذات القوة والعمق والتجذر لسنتين اللتان اعقبتا تخرجنا من كلية الآداب، اللغة الانكليزية. حتى اني لم اتصور يوما باني من الممكن ان اعيش وامارس حياتي من دون ان تكون هي معي بها. كل ما كان يدور بيننا من حوارات واحاديث في المساء ليوم سابق، استعيده مستمتعا في صبيحة اليوم التالي. لم افكر ولو مجرد تفكير في البحث عن حب أخر اعوض به؛ عن افتقادها. فقد ذهبت هي في درب على الرغم منها، إنما بإرادتها التي هي من ارغمت نفسها بها عليه؛ غير الدرب الذي اخذتني إليه الحياة مجبرا. انقطعت عني اخبارها كليا. إنما لم تغب عني خلال عدة سنوات مضت. كانت امرأة الحلم، حلم جميع الاحلام، في كل يقظتي. كانت وبطريقة استعادتها هذه التي بها؛ اغنت حياتي واثرتها في كل صباح وفي كل مساء وفي الليل، كل الليل حتى تأخذني انفاسها، وكلماتها الرقيقة، واحلامها الى النوم، نوما عميقا في كل ليلة من تلك الليالي التي خلت. اقتربت من الساحة. لا تفصلني عنها سوى خطوات قليلة. ظهري أخذ يؤلمني. جسدي لم يعد يساعدني؛ في مواصلة المشي الى دائرتي القريبة من هذه الساحة. بعد عدة خطوات؛ جلست كي أخذ قسطا من الراحة؛ على المصطبة الكائنة تحت المظلة المطلة على الساحة. نظرت الى ساعتي. الساعة لم تتجاوز بعد، السابعة وعشرين دقيقة. حلقت كما الطير في الفضاء، فوق المظلة. انفجار هائل في الساحة. فتائل دخان ونار ارتفعت الى الاعلى. ألم في رأسي. تشخب الدماء من صدري ورأسي. بركة صغيرة، صغيرة جدا من دمائي، على وجه الرصيف قبالة المظلة. اصوات سيارة الاسعاف، صراخ، ثغيب، كلها تدوي دويا مفزعا في دماغي. أُوقف سيل الكلمات الذي تدفق من خزان ذاكرتي؛ الضابط الامريكي الذي شكل مع بقية جنود المارينز؛ ظلا ثقيلا حولي.
:- متأكدة تماما من انه ليس له علاقة بانفجار العبوة الناسفة، من ثم صحح؛ بل البرميل الممتلىء بالمتفجرات، على حافة الرصيف، حذاء مسار السيارات على الطريق، الذي انفجر في همر الجنرال إبـستين.
:- نعم متأكدة.
مزهر جبر الساعدي – كاتب وقاص

