الرئيسيةأخبارمقالة: هل صدق نزار قباني؟ وهل أخطأ كاظم الساهر؟ “المرأة بين فتنة القصيدة وخيبة الواقع”

مقالة: هل صدق نزار قباني؟ وهل أخطأ كاظم الساهر؟ “المرأة بين فتنة القصيدة وخيبة الواقع”

رجل وحيد في مقهى ليلي يقرأ ديوان شعر بينما امرأة تبتعد في الخلفية
منذ أن وُجد الشعر، وُجدت المرأة فيه رمزًا للدهشة، للحنين، للرغبة، وأحيانًا للمقدّس والمحرَّم. لكن لا أحد ربما بالغ في صناعة الأسطورة الأنثوية كما فعل نزار قباني، ولا أحد تغنّى بتلك الأسطورة بمثل ما فعل كاظم الساهر، الذي ألبس القصيدة لحنًا وصوتًا وجعلنا نهيم في حلم المرأة النزارية.
ومع ذلك، يبقى السؤال جارحًا ومشروعًا في زمنٍ انكشفت فيه الوجوه وسقطت الأقنعة:
هل صدق نزار في وصفه للمرأة؟ وهل أخطأ كاظم حين صدّقه؟
بل الأدهى: هل خذلتنا المرأة الحقيقية بعد أن حلمنا بها لعقود من قصائد الغزل والأمل؟لم يكن نزار يكتب عن المرأة فحسب، بل كان يكتب المرأة نفسها. فهي موضوعه، وذريعته، وملهمته، وحربه، وسلامه، وسريره، وحتى مقبرته. لقد صاغها بمفردات لا تخضع لمقاييس الواقع، بل لقانون الشاعر العاشق:
– أنثى تتكلم الورد، تتنفس الحرية، وتشبه الوطن الذي لم يُحتل بعد.
– كائن يتحدى السلطة، ويُسقط وصايا المجتمع الذكوري.
– جسد، نعم، لكنه محمول على طقس شعري لا يهدف إلى الابتذال، بل إلى الحلم.

لم يكن نزار يكتب عن “المرأة”، بل عن كما يراها “نزار” نفسه .
فكتب المرأة المتمردة لأنها كانت جزءًا من تمرّده الشخصي على السياسة، والدين، والمجتمع، والسلطة. كما كتبها جميلة، ساحرة، شهوانية، لأنه كان يطلب الاكتمال الجمالي الذي يفتقده العالم العربي.

إذًا… نزار لم يصدق أو يكذب، بل تخيّل. والخيال في الشعر هو حق مشروع في مواجهة فقر الواقع.

أما حين قرّر كاظم الساهر أن يكون الصوت الغنائي لنزار قباني، لم يكن يقدّم نفسه كمغنٍ تقليدي عابر، بل كمجدد في الغناء العربي حيث :
– أحيا القصيدة الفصحى.
– أعاد للجمهور لذة الاستماع للكلمة قبل اللحن.
– صنع علاقة جديدة بين الرجل والمرأة قائمة على الشوق والاحتفاء ، وليس على التملّك والسيطرة.

لكن كاظم أيضًا لم يتغنِّ بامرأة واقعية. بل تغنّى بامرأة نزار، فابتكر معها أنثى رابعة، لا تشبه نساء الواقع، ولا نساء الخيال الشعبي العربي، بل امرأة سكنت مفردات اللغة فاستوطنتها. وإن كان نزار قد رسمها شعرًا، فإن كاظم أعادها نبضًا وصوتًا ووجعًا.

لكن… هل خذلتنا المرأة؟ فمن هنا يبدأ الألم. لقد خرجت المرأة من القصيدة، ودخلت الواقع. ومع تحولات العالم: من التكنولوجيا إلى الفردانية، من المادية إلى الصراعات النفسية، باتت المرأة مثل الرجل تبحث عن ذاتها في متاهات لم تعد رومانسية.

فهل أصبحت المرأة أكثر مادية؟ ربما. وهل أصبحت العلاقة معها مشروطة؟ غالبًا. وهل خفت صوت الأنوثة أمام صخب الاستقلال؟ لا شك. هل أصبحت تحب نفسها أكثر مما تُحب الرجل؟ في حالات كثيرة، نعم.

إن المرأة اليوم لم تعد تنتظر باقة ورد أو قصيدة غرامية، بل أصبت تسعة إلى عقد ذكي، و وظيفة، وحرية اقتصادية، و مكانة اجتماعية، وتحرر حقيقي.

لكن السؤال الصعب يبقى: هل تغيرت المرأة؟ أم أن الرجل هو من رفض أن يراها خارج قصيدة نزاز او بعيدا عن غناء كاظم؟

فنزار كان يحلم. وكاظم كان يُغنّي الحلم. ونحن كنّا نُصدّق، بل نريد أن نصدق، لأننا بحاجة للحب، ولجمالٍ لا تؤمن به الوقائع. لكن حين اصطدمنا بامرأة الواقع : المادية، المرهقة، المتطلبة، اللاهية، أو الجريحة، انكسر الحلم، وأصبحنا نلوم الشاعر والمغني، بدل أن نعيد النظر في خياراتنا، وتوقعاتنا، ومقاييسنا الخرافية.

ختاما، فالحقيقة أن نزار لم يكن كاذبًا، بل شاعرًا. وكاظم لم يكن مخدوعًا، بل فنانًا. لكن نحن الذين طلبنا من القصيدة أن تشبه حياتنا، ومن المرأة أن تكون كما في الأغنية. والمرأة… لم تكن يومًا قصيدة. بل كانت دائمًا أكبر من ذلك… وأكثر تناقضًا، وغموضًا، وواقعية.

فلا تسأل إن كانت المرأة خذلت نزارًا وكاظمًا… بل اسأل: هل خذلنا نحن أنفسنا، حين طلبنا من الحب أن يكون خاليًا من ألم الواقع؟

هشام فرجي
هشام فرجي
هشام فرجي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *