الرئيسيةإبداعقصة قصيرة : توما هوك

قصة قصيرة : توما هوك

  • توما هوك، أم كان صاروخ طائرة؟ ابو حيدر الذي سألته، في الحقيقة استوقفته؛ لأسئلة، فقد كان عندما سألته راكضا هو وابنه الوحيد حيدر الى انقاض البيت الذي تم تسويته بالأرض تماما. هو احد الجيران، بيته في قبال بيتنا، عبر الشارع، في الجانب الثاني منه، وابنه صديقي، وهو ايضا شقيق صاحب البيت الذي دمر بالكامل. لم يجبني. إنما نظر ألي نظرة استنكار وتعجب، تخليتها تحمل الكثير من اللوم. صديقي حيدر ألتفت نحوي، وأنظرني بنظرة حزينة، حزينة جدا، كأني به او اني تصورته يقول لي
  • ماتت.

قرص الشمس، في هذه الاثناء، او في هذه الثانية؛ ارتفع فوق المباني، اشعته كانت على غير ما كانت عليه، او أني على هذه الصورة تصورتها في خيالي؛ فقد غمرت المكان بلون احمر مشوب بالصفرة الغامقة؛ بخليط بين اللونين شكلا، او كأنهما سنان نيران مشتعلة في الانحاء، كل الانحاء التي تصاعد منها، أو من اكثرها حزم من دخان ونار. كنت فريسة للاضطراب والقلق والألم والوجع والحيرة التي تملكت عليَ لباب عقلي حتى بت كأني خارج المكان في عالم أخر، في الذات عينه في قلب المكان. لم اعرف كيف اتصرف في هذه الثانية المشحونة بالخوف والخسارة التي وجدتني فيها وفي قلبها وهي تمزق نياط قلبي، ونفسي. اسراب من الطائرات في هذا الصباح كما في كل صباح قبل ايام، ما انفكت تحلق في السماء او انها كانت في تحليقها، قريبا من الارض، بعيدا ببعد كلي عن السماء فوقها. اسمع دوي الانفجارات في كل مكان من انحاء المدينة. أز الهواء فوقنا أزيزا تبعه دويا. رفعت عيناي الى السماء؛ رأيت مجموعة من الصواريخ، تعرفت عليها من شعلة النار خلفها، او في مؤخرتها؛ تتجه الى الركن الثاني من المدينة. عمال الانقاذ بدأوا مع اهالي شارعنا برفع الانقاذ. جاءوا بسرعة من مركز الدفاع المدني الكائن في زاوية الشارع. اغلب اهالي شارعنا تركوا بيوتهم؛ وباشروا على الفور برفع الانقاض مع فرق الدفاع المدني؛ الجيران القريبين من بيتنا والبعيدين ايضا، لكنهم في نفس الشارع؛ اعرفهم، سواء الكبار او الشباب من عمري وعمر صديقي حيدر. اسمع الشتائم واللعنات، اللتان اختلطتا مع بكاء النسوة ونواح بعضهن نواحا يفتك بالروح والعقل معا. أما أنا فأن بقايا الدخان الذي لايزال يتصاعد من بين ركام الحجارة والخرسانة؛ يفتك بي نفسا وعقلا حتى انتابني الخوف من ان افقد عقلي في هذه الثانية؛ لأني احسست ان هناك في داخلي صراخ يصرخ في كل اعماقي، مفجرا كل ذرة من كياني. لم اصرخ. ظل صراخي حبيسا في نفسي، ثقيلا عليَ كأن جبلا من نار؛ اتخذ من داخلي مكانا له في هذه الثانية التي بدت لي كأنها دهرا كاملا يجثوا بوطأته عليً. في الليل، قبل ساعات، لم انم، ظللت ساهرا. كنت فيها افحص ما يجري من جميع الوجوه؛ واسألني – كيف تنتهي ؟ – ومتى تنتهي؟  حزن وخوف وترقب وقلق، اغرقني في طوفانه. اخيرا، نمت لا ادري كيف نمت او متى نمت، ولا اعلم عدد الساعات التي كنت فيها نائما. بغته سقطت من على منامتي، بل تم قذفي خارجها، وانا نائم او اني غارقا في النوم، نوما مضطربا وقلقا، بعد ليلة من الحوار مع حبيبتي؛ في الحب والادب والمصير، والزلازل التي اجتاحت المدينة في الليل والنهار، والألم الذي تملك عليَ نفسي وعقلي على حد سواء، هي ايضا حبيبتي كما أنا سيطر عليها الألم والقلق والخوف.

  • إيناس قتلني الألم. هذه الحرائق، وأنا اشير الى عمارة لاتزال النيران تشتعل فيها؛ كأنها في جسدي.
  • لم تجب. إنما ترقق الدمع في عينيها.

عندما اضطجعت على فراشي، استمرت هذه الهواجس تأخذني إليها على الرغم مني. اخر كلمة قالتها، ترسخت في ذهني واستقرت في ممرات دماغي، وهي تودعني، قبلتني على جبيني. عدت الى بيتي في ساعة متأخرة من الليل. ظلت الكلمة الأخيرة التي قالتها حبيبتي تطن في اذاني.

  • الحرية لا تمنح، الحرية تنتزع..

استمر في الاهتزاز بيتي، كل بيتي، السقوف والجدران والارضية وكل ما فيه؛ استمر في الاهتزاز. دوي الانفجار، دوى في كل مسمعي حتى اني تخيلتني كأني او كأن اذاني تمزقت. على الارض، على بعد بوصة عن سريري؛ تبعثرت كل كتب مكتبتي. قبالتي تماما؛ رواية التلال الشاحبة للروائي الياباني كازوو ايشيغورو، فقد تذكرتها، عندما فُتحِت على الصفحة الاولى، بتأثير العصف، تحت موطأ قدميَ. الاهداء: الى صديقي وحبيبي حسن اضع هذه الرواية بين يديك علها تحظى باهتمامك كما حظيت باهتمامي. لقد قرأتها اكثر من مرتين في كل مرة اكتشف فيها ما هو جديد لم انتبه له في القراءة السابقة. رياح قوية هبت، دخلت الى غرفتي، من النافذة المفتوحة على الشارع. حركت وبكل قوة اوراق الرواية، حتى استقرت على الصفحة السابعة، امامي تماما. قرأت من دون او بغير إرادة مني للقراءة.

  • وملأ الجنود الامريكان كل مكان.

ابو حيدر الذي سألته قبل ربما اقل من ثانيتين، ربما ثانية لا اكثر، وحيدر صديقي؛ رأيتهما وهما يرفعان معا، قطعة من الخرسانة؛ يحدقان فيَ بغضب او اني هكذا، أو على هذه الصورة تصورت نظراتهما هذه. الطائرات لا تزال ترسل ضجيجها من تحت السماء الى الارض؛ انفجارات تقريبا في كل ركن وفي كل شارع وفي كل درب وجادة. سألتني

– كم عدد البيوت التي سوت بالأرض كما هو حال هذا البيت؟

نظرت الى ابي حيدر، لايزال على الرغم من عمره المتقدم يواصل، مع ابنه حيدر، بقوة وجهد رفع قطعة كبيرة من الخرسانة، لكنهما لم يتمكنا من رفعها. تحركت بسرعة، بعد هذه الثواني، أو للدقة هذه الثانية؛ إليهما. ساعدتهما وبكل قوة جسدي الشاب، محاولة رفع القطعة معهما. التفت ابو حيدر نحوي، حملق مليا في وجهي. قال لي

– الا تسمع هناك، تحت قطعة الخرسانة هذه ؛ صوت رغم خفوت نبرته، لكنه واضح وضوحا كافيا. قلت له

– نعم اسمع هذا الصوت. سألني

– لماذا تبكي، الآن ليس وقتا للبكاء ابني. هيا أرفع معنا، القطعة اللعينة هذه. وانا ابذل كل ما في بدني من قوة؛ قلت له، إنما بصمت صمتا تاما ومطبقا

– هذا الصوت اعرفه، ليس غريبا عليَ.

عندما دفعنا القطعة جانبا؛ كانت هي تنظرني بعينين شع من بريقهما؛ الحب والخوف والغضب، والحزن والقلق. همس ابو حيدر في اذني

– جميع افراد عائلتها استشهدوا. اخرجهم رجال الدفاع المدني من تحت الانقاض. قلت له

– اعرف، فقد رأيت فرق الانقاذ ترفعهم من تحت ركام البيت.

– لم اكن اتوقع ان هناك من افراد العائلة المنكوبة، من لايزال حيا تحت هذه التلال. قلت له. اجابني

– انها إرادة الله ابني. حين رفعناها بمساعدة رجال الانقاذ، وتم وضعها على النقالة؛ رأيت شفتيها تتحركان. فما كان مني الا وبسرعة وضعت اذني على شفتيها.

– حسن، اهلي، ابي، امي، اخي، اختي.

– من فضلك، تنحى جانبا. اسمح لنا ان ننقلها بسرعة الى سيارة الاسعاف..

مزهر جبر الساعدي
العراق- بغداد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *