حلقات رمضان وكتاب: رحلة في الفكر والتأمل
الفلسفة السياسية النسوية سؤال السيادة والكونية في فكر سيلا بنحبيب
من تأليف :د عزيز الهلالي
– الحلقة : 22 نماذج من الفضاءات العمومية
تنتسب حنا أرندت إلى نموذج المقاومة أونموذج الفضيلة الجمهورية (Republican Virtue). ترى أرندت أن هذا الفضاء العمومي يتخذ فعلا جماعيا يجسد إرادة الحرية “ليس بالمعنى الطوبوغرافي أو المؤسساتي للكلمة” ، بل بالمعنى الذي يفضي إلى تضافر عناصر أساسية: الأفراد والمكان والفعل. فإذا كانالإنسان موجودا بالمدينة أو الحفل مثلا، ولم يقم بفعل، فلا يستحق أن نطلق على الفضاء الذي يتواجد فيه اسم الفضاء العمومي. فالفضاء العمومي يجب أن يكون مصحوبا بقناعة وحرية وهدف مثل، تنظيم وقفة احتجاجية أمام قاعدة عسكرية…هذا الموقع الطوبوغرافي يصبح فضاءا عمومياعندما تتماهى الحرية مع الفعل. لا يستدعي الفضاء العمومي جدول أعمال لاكتمال صورته أو لتحديد موضوع الحوار العمومي، فقد يجتمع الأفراد، بشكل تلقائي، في مقهى أوفي غابة بدون برنامج مسبق.ما يهم في الفضاء الصراعي، هو ممارسة الصراع من أجل الحرية، والانتقال من وضعية”مجرد سلوك” (Merely Behave) إلى وضعية الفعل (Act).
نخلص إلى القول، بأن فضاء المقاومة هو فضاء للمنافسة يتجلى فيه قدر كبير من الحرية واستعراض المهارات البطولية والأخلاقية والسياسية التي تمتلكها الذات أمام الآخر، إنه فضاء”يقوم على المنافسة أكثر منه على التعاون” حيث “يتنافس الأفراد من أجل الإعتراف والإشادة والصدارة”. وهنا تستعيد أرندت تأثرها بالمدينة الإغريقية بوليس، حيث يتداخل العام بالخاص.
تنتقد سيلا بنحبيب ما تسميه ب “النزعة الجوهرية الفينومينولوجية” لدى أرندت، بحيث تركز على بعض الأنشطة تسميها أفعالا وتغيب أنشطة الصناعة والعمل. مثل حالة الاستغلال التي يتعرض لها العامل والساعات الإضافية التي تنهك قواه بدون احتساب أجرها، مشاكل صناعية…تتجاهل كل هذه الأنشطة، بالرغم من أنها تقوم على علاقات القوة ويمكن أن تصير أمكنة للفضاء العمومي تثير نقاشات وقضايا خلافية. لكن، القوة التي تؤمن بها أرندت هي المنبثقة من الفضاء العمومي.