حلقات رمضان وكتاب: رحلة في الفكر والتأمل
الفلسفة السياسية النسوية سؤال السيادة والكونية في فكر سيلا بنحبيب
من تأليف :د عزيز الهلالي
– الحلقة : 19 الخنثى، وإشكالية التصنيف
تضعنا مذكرات ألكسينا أو أبيل أمام واقعة تتطلب التصنيف الجنساني للتقرير في شرعية انتماء الهوية. هنا تتداخل وظيفتين لغرض التشخيص والتفسير: “وظيفة اندماجية وتطبيعية لتحديد الهوية. ووظيفة تهميشية..تقع خارج المعيار”. أي أننا إزاء سلطة المعيار التصنيفية التي تقر بحقائق الأشياء وتمنح الجسد هويته الاجتماعية (سلطة المؤسسات الدينية والطبية والإدارية والقضائية…) وسلطة تقع خارج التصنيف المعياري ولا تحظى بالاعتراف.
في مقدمته استهل ميشيل فوكو قراءته لمذكرات أبيل بطرح إشكالية أساسية: “هل نحن حقا بحاجة إلى جنس حقيقي؟”. وهذا الإشكال يقودنا إلى تساؤل جديد:هل هناك جنس حقيقي في مقابل جنس لا حقيقي ؟
يرى فوكو أن سؤال الحقيقة مرتبط بالنزوع الحداثي للمجتمعات الغربية، لأن صناعة الحقيقة تتداخل في هيكلتها وبنائها “النظريات البيولوجية والتصورات القانونية والأشكال الإدارية”. فقد تم ترسيم أفق ابستيمي جديد لترسيخ حقيقة الجنس، حيث أن المحمولات الجنسانية الأخرى التي تقع خارج الوقائع المؤسساتية وشهادتها، هي مجرد حالات عارضة وشاذة. فالطبيب مطالب بإجراءات تشخيصية لرفع الغموض الجنسي وقطع الطريق أمام سيادة رغبات الاختيار، كما كان عليه الحال في العصور الوسطى، حيث أن الوالدين هما اللذان يقرران في مصير الجنس. وعند سن البلوغ، وبالضبط لحظة الزواج، فإن الخنثى تتولى مسؤولية الاختيار. لكن، في العصور الحديثة سحبت سلطة القانون الطبية من الخنثى سلطة الاختيار. فأصبح القانون هو الذي يشرعن حقيقة الجنس هروبا من الوقوع في الانحراف عن الملاءمة مع سلطة المعيار الواقعي.
إذا قلنا إن الجنس يمثل بؤرة حقيقية ممركزة حول ذاتها وحول الفرد، فهذا يعني أن نظام الأشياء وحقائقها يتشكل من “جذور ممتدة في ثقافة القوة”. وتبعا لهذا المنطق، فإن أبيل لم يكتشف حقيقة جنسه إلا في الوقت الذي تدخلت فيه المؤسسات الدينية والطبية والقضائية. وكان تدخلا إلزاميا نحو تغيير الاسم والهوية. ومن ثمة، نفهم بأن “الجنس يخفي في ذاته الأجزاء الأكثر سرية للفرد، أوهامه وجذور أنانيته وأشكال علاقاته بالواقع. فتحت مقولة الجنس تكمن الحقيقة”.