مجلة طنجة الأدبية الموقع الأدبي والثقافي الأول داخل العالم العربي، يتم تحديثه على مدار 24 ساعة ويفتح المجال لكل المبدعين في شتى أنحاء العالم للتعريف بأعمالهم الأدبية و الفنية من قصة، شعر، زجل، رواية، دراسة، نقد، مسرح، سينما، تشكيل، كاريكاتير، موسيقى، حوارات و إصدارات
الرئيسية ⁄ الأولى ⁄ حلقات رمضان وكتاب الحلقة : 12 الموجات الثلاث للنظرية النسوية
حلقات رمضان وكتاب الحلقة : 12 الموجات الثلاث للنظرية النسوية
الفلسفة السياسية النسوية سؤال السيادة والكونية في فكر سيلا بنحبيب
من تأليف :د عزيز الهلالي
الحلقة : 12 الموجات الثلاث للنظرية النسوية
تمتد الإسهامات النظرية السياسية النسوية على مساحة زمنية ابتدأت من نهاية القرن 19 مرورا بالقرن 20 وبداية القرن 21. إلا أن هذا الامتداد الزمني تم تقطيعه إلى فترات تاريخية سميت بالموجات الثلاث. لكن، النظر إلى هذا التقطيع من وجهة نظر معيارية، يثير تساؤلات على مستوى تداخل الإشكالات والسياقات والنظريات. إذكيف نتعقب مسارات فكرية وانعطافاتها لحظة تجزئ تراكمات النظرية النسوية؟ ثم، كيف لنا أن نقفز على المشترك المفاهيمي الذي اغتنى بدلالات جديدة ووُظف بشكل مكثف عبر سيرورة طويلة من التشكيلة الخطابية النسوية؟
ولعل ترسيم الحدود بين هذه الموجات، يعد تشويشا على الخط الفكري والنضالي للحركات النسوية.فالتصنيفات الحدودية هي زمنية أكثر منها انعطافية، لأن المنعطفات الكبرى تمس البناء النظري ولا تمس التحقيب الزمني للأفكار.
لقد دشنت لحظة التأسيس التي ابتدأت منذ أواخر القرن 19 إلى بداية القرن 20 ، خطابا أنواريا متشبعا بقيم فلسفية ليبرالية تقوم على مطالب حقوقية صرفة: كالحق في المشاركة الانتخابيةوالحق في المساواةوالحق في التمثيلية البرلمانيةوالحق في الفضاء العمومي…وفي خضم هذه الحركية كانت النظرية النسوية تسترشد بغطاء نظري ذي أبعاد حقوقية.
وبالرغم من بزوغ التيار النسوي الماركسي، بأدواته التحليلية المادية لمقاربة واقع المرأة، إلا أن الخط الاستراتيجي ظل مصحوبا ببناء مركزية طبقية نسوية. فكان المشترك الليبرالي والماركسي هو بناء نزعة ذاتية تعيد إنتاج سلطة المركز الذكوري.
في المرحلة الموالية، التي يمكن أن نقول عنها تجاوزا الموجة الثانية، ظهرت إسهامات جديدة بفعل زخم التيارات الفلسفية ممثلة في الوجودية والظاهراتية والبنيوية…ويمكن اعتبار كتاب “الجنس الثاني” للفيلسوفة سيمون دي بوفوار (*) (1908- 1986) بمثابة المرجع الأساسي للحركة النسوية، لكونه فتح أفقا جديدا للنقاش. وقد استطاعت الكاتبة، بحسها النقدي والتحليلي، خلخلة مجموعة من المفاهيم الثابثة. كما أنها دفعت بإشكالات كانت مطموسة بفعل إرادة السلطة الثقافية والعرفية،مثل حالات الشواذ والسحاقيات…إلى التدوال في الفضاء العمومي.
ومن أهم الانتقادات التي وجهتها الموجة الثانية لسابقتها، كونها حركة مسنودة بقوة الطبقة الوسطى والنساء البيض، كما أنهاتحمل خطابا شموليا تتجاهل فيه باقي الهوامش. في حين أن الوعي بإشكالية الأقليات على المستوى العالمي والانفتاح على الآخر المحظور تعزز بفعل سيرورة حقوقية عالمية كالوثيقة التي تبنتها الأمم المتحدة في 10 ديسمبر1948 (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان1948) وتأسيس (المنظمة الوطنية من أجل المرأة1966)…
لقد وظفت في هذه المرحلة حقول معرفية متعددة، من أجل بناء تصور جديد ،مثل: اللسانيات والسيميائيات والانثربولوجيا وعلم النفس وعلم النفس التحليلي وعلم الاجتماع والبيولوجيا…لكن السؤال الذي يظل يرافقنا وهو: إلى أي حد استطاعت الموجة الثانية كسب رهان الانعطاف الفلسفي والفكري بخصوص قضايا المرأة؟
إن تباشير الجواب يمكن أن نلمسه في حركية الموجة الثالثة التي ابتدأت من سنة 1990 والتي ظهرت في سياق نيوليبرالي وكونية سياسية. فقد وظف هذا الاتجاه ما بعد حداثي،استراتيجية تحرير المعنى من أسر السرديات الكبرى التي تقوم على ثنائيات متعالية: الرجل في مقابل المرأة، العام في مقابل الخاص، الجوهرفي مقابل المحمول…ففي هذه المعادلات المائلة نحو مراكز القوة تُنتج خطابات مسكونة بهاجس السلطة وفي قلبها مكونات مجتمعية لامتوازنة، حيثيتم القذف بالحلقات الضعيفة خارج الخطاب القضيبي.
وضدا على هذه الإستراتيجية، وظفت الموجة الثالثة إمكانات منهجية ومعرفية لمعالجة الاختلالات الثنائية التي أفرزتها الفلسفة الميتافيزيقية الغربية. وهذا الذي لم تقو على إنجازه الموجة الثانية. فقد نهجت إستراتيجية التفكيك وإعادة البناء، سواء في إطار الكونية الأخلاقية أو في إطار الديمقراطية التشاورية أو في إطار العدالة والإنصاف أو في إطار الحقوق الفردية…ومن أبز ممثلي هذا التيار يوديث باتلر و سيلا بنحبيب(*) و نانسي فريزر(*)وكاترين ماكينون(*)… بحيث رسمن أفقا يتناغم مع رؤية تقوم على امتلاك الحرية في بناء هويات خاصة تستبعد شرعية المؤسسات الطبية والثقافية.
لكن النظر إلى الإنجازات النظرية للموجة الثالثة، يمكننا من تلمس خلخلة هامة في السيرورة النظرية السياسية النسوية، خاصة مع تيار ما بعد الحداثة. وهنا سيغتني- حقيقة – الخطاب النسوي بإمكانات نصية جديدة وتأويلات مفتوحة على حقول معرفية متعددة.
وتكمن أهمية الموجة الثالثة، في كونها اختارت المؤسسة الأكاديمية ملاذا وهدفا استراتيجيا لمقاومة العقل الأداتي والاستراتيجي الذي يستهدف العالم المعيش، خاصة الفضاء الخاص. فقد عزز الفضاء الأكاديمي من صمود حركات احتجاجية نسوية وساهم في ظهور حركات مماثلة، سواء في أوروبا أو الولايات المتحدة الأمريكية تحت اسم “عبر نسوي” أو”الحركات النسوية العابرة للأوطان” (Transfeminist) وهذه الحركية المنفلتة من المحلي تتشبث بفكرة الهوية الخاصة.
ستعمل النظريات السياسية للموجة الثالثة على تنويع منطلقاتها وأهدافها لتشمل حركات “الشواذ” بمختلف نزوعهن/م الجنسية. فنظرية كوير( Queer) هي نظرية من أجل تحرير الجسد من قيود المحرمات الثقافية والعرفية والمؤسساتية. كما أنها نظرية تنشط في إطار إعادة بناء رؤية مساواتية ضدا على لغة قهرية للمعيار الغيرية الجنسية التي تأسر الجسد وتقمع رغباته البيولوجية.
عموما نرى، بأن الموجة الثانية تتميز عن الأولى بمستوى النضج النظري والفكري. أما الموجة الثالثة، فإنها تشكل منعطفا في مسار الحركة النسوية من خلال إنجازية النوع ليوديث باتلر وبراديغم التواصل لسيلا بنحبيب. وخلاصات هذا المنعطف تكمن في تبديد جوهرية الجنس ومد جسور الحوار مع مختلف الهويات السياسية خارج نظم معيارية السلطة الكونية.
أمينة بنونة