حلقات رمضان وكتاب: رحلة في الفكر والتأمل
الفلسفة السياسية النسوية سؤال السيادة والكونية في فكر سيلا بنحبيب
من تأليف :د عزيز الهلالي
– الحلقة :9 نظريات نسوية: جوليا كريستيفا
في إطار النظرية النسوية اللغوية، تشكل أعمال جوليا كريستيفا (*) لمسات خاصة من خلال كتابها ” ثورة في اللغة الشعرية “. وضعت تحليلاتها النفسية خارج الثنائية الجنسية، مما أثار غضب الخطاب النسوي. واعتبرن أن أطروحة كريستيفا تقع على هامش النظرية النسوية.وتقابل كريستيفا هذه الدعاوى بالقول “بدأت أحس أنني مستلبة من طرف اديولوجية اليسار”. وتستطرد قائلة: “يشكل الفكر النسوي الفرنسي، خلال هذه المرحلة، شكلا آخر من النزعة الدوغمائية”.
تنطلق كريستيفا من ملاحقة إيقاعات وصور منفلتة من قبضة الأنساق المغلقة ومن النظم وقواعد التواصل اللساني. وفي هذا إشارة واضحة إلى نقد صريح للذات الديكارتية التي تمتلك المعنى والقواعد التركيبية والنحوية. فالذات، كما تتمثلها كريستيفا، ذات عاشقة للتمرد في وجه الضوابط المنطقية والعقلية، إنها صيرورة دائمة لا تتماهى مع السكون ولا تأبه بحركة الثبات.ومن ثمة، يصعب الإمساك بها إلا من جهة آثارها.ووفق هذه الإستراتيجية، تميز كريستيفا بين السميوطيقي والرمزي، فالأول علامة ترمز إلى الأنثوي بوصفها حركة انسيابية متدفقة مفعمة بالطاقة والحيوية.أما الثانية، فهي ذكورية تعكس مستوى من العلاقات الاجتماعية المنتظمة في إطار سلطة قهرية تمثلها السلطة الأبوية. تلجأ إلى هذا التوضيح ليس من أجل بناء أقطاب منفصلة ومستقلة، بل من أجل تدمير وتجاوز الثنائية البيولوجية التقليدية: رجل/امرأة.
إن السيميوطقي يحمل دلالة الإحساس والفن والموسيقى ورهافة الشعور، الذي من شأنه أن يعيد بناء العالم بصور إنتاجية شعرية متحررة من سلطة الإذعان والقمع. فالحقيقة الإبداعية والنصية تتحدان في البعد الشعري للغة، ذلك هو النصف الأنثوي الأزلي واللامتغير،إنه إعلان عن الخروج من أسر اللغة الاستعبادية ومن أسر العقل الأداتي ومن العقل الشمولي الذي تشكل ما بعد المرحلة الأوديبية. السيميوطيقي أداة نفي دائمة للمكبوت والمقموع.عندما يتماهى الأنثوي باللعب يتشكل العالم الجديد المتحرر من ضغط الرموز الاجتماعية. ففي اللعب ينكشف المستور في النص الأصلي الحامل والحاضن للطاقة الثورية. يعود السيميوطقي “إلى السيرورات والدوافع الأولية التي تدخل في تناقض مع الرمزي”. أما الرمزي فهو سلطة أداتية تتشكل في الخطاب التواصلي والاندماج المجتمعي. كما أنه “يميز اللغة في استعمالها المعياري وكما حددها التقليد اللساني”. وفي ظل جدلية التعارض والارتباط، في إطار السيرورة الدلالية للغة، يحدث انزياح من قبضة الرمزي نحو الأنثوي لممارسة الإبداع في قلب جسد الأم رمز التحرر السميوطيقي. فهذه أعمال مالارميه اتحدت بجسد الأم وأجهزت على قواعد لغة الأب.