الرئيسيةأخبارحلقات رمضان وكتاب: – الحلقة : 3 تحديد مفهوم الجنس / النوع

حلقات رمضان وكتاب: – الحلقة : 3 تحديد مفهوم الجنس / النوع

حلقات : رمضان وكتاب: رحلة في الفكر والتأمل
الفلسفة السياسية النسوية سؤال السيادة والكونية في فكر سيلا بنحبيب
من تأليف :د عزيز الهلالي
– الحلقة : 3 تحديدات مفاهيمية
تحديد مفهوم الجنس / النوع
سنتناول في هذا الفصل المفاتيح الأساسية التي يقوم عليها النص لتحديد المفاهيم التالية : مفهومي الجنس والنوع،الحركة النسوية، الفلسفة السياسية المعاصرة، النظرية السياسية النسوية، ثم الهوية السياسية.
ما دلالة الجنس / النوع ؟ وما العلاقة بينهما ؟ هل هي علاقة اتصال أم انفصال ؟
على المستوى الإجرائي، يمكن الوقوف عند مفهوم الجنس والنوع لاستكناه دلالتهما اللغوية والمعرفية. لكن، من الناحية المنهجية يبدو أن الجمع بين هويتين عبر خط مائل للدلالة على التمييز يفقد قيمته الترابطية، إذ سرعان ما يتضح أن إمكانيات أخرى تطرح ذاتها خارج هذا التمييز الترابطي بين عالم الذكورة والأنوثة. وعلى هذا الأساس، سنعيد ترتيب وحدات السؤال بالصيغة التالية: ما المقصود بالجنس وما المقصود بالنوع خارج المعايير الإكراهية؟
يشير معجم نيكولاس بانين وجوان يو (Nicholas Bunnin and Jiyuan yu) إلى أن ” الجنس له علاقة بالوقائع، في حين أن النوع له علاقة بالقيم”. هذا التعريف يضعنا إزاء عالمين: عالم طبيعي وحسي وعالم ثقافي وحضاري. وهذا التقسيم يفضي إلى هوية ثابتة مستقرة لا يلحقها التغيير،وهوية انسيابية متحولة تتبدل وفق شروط التأويل الاجتماعي والتاريخي. بمعنى، أن الجنس يتبدى كظاهرة بيولوجية تستقر في جسد مادي يحمل علامات الاختلاف ُتختزل عادة في ثنائية: ذكر- أنثى. أما النوع،فيتحدد من خلال المكون “الثقافي والرمزي والنمطي وإيحاءات الهوية الذاتية”.
في الواقع، تكاد كل المعاجم والموسوعات الفلسفية تجمع على هذا الفهم، لدلالة التمييز بين “الجنس” و “النوع”، مما يعني أن نسقا من العلاقات الاجتماعية تعيد إنتاج ذاتها في شكل هرمية أبوية (Patriarchy) تضع المرأة خارج فضاء الفعل والكلام.
لكن هذا التمييز بات يعرف نوعا من المساءلة تخص جديته الانطلوجية. فالجنس كسؤال انطولوجي اعتبر إحدى الرهانات الكبرى للنظرية النسوية. وفي هذا السياق، يمكن الإشارة إلى أن بعض المعاجم المعاصرة تواكب تحولات سياقية لإشكالية الجنس / النوع. فهي تشير في تعاريفها إلى أن المسافة بين الجنس والنوع مسافة معقدة لا تقوم على ترسيمات ممتلئة بالدلالة لجهة الجنس أو الثقافة، إذ “ليس في استطاعة الأفراد اختيار نوعهم، لكن بإمكانهم أيضا العمل على ضمان تغيير الجنس، وهكذا يمكن مثلا رؤية المرأة بشكل مختلف”.
إن فعل الإقصاء لحكاية الجسد وتعبيراته ورغباته، إنما هو سلطة ميتافيزيقية تتبنى مفهوم الوحدة والانسجام للغيرية الجنسية.فمثلا واجه كل من جون مونيه(*) (John Money) وخلفه روبير ستولر(*) ( Robert Stoller) ” أشخاصا لم ينسجمو مع أجسادهم/ن على مستوى الإحساس والعيش”. ولهذا اشتغالا على تطوير الحالة السيكولوجية للهوية الجنسانية، للخنثى ومتحولي الجنس، من أجل خلق تناغم بيولوجي وثقافي للهويات التي تقع خارج معادلة: جنس / نوع.
تعتبر يوديث باتلر(*) أن الأنوثة والذكورة لا تقوم على وحدة مفاهيمية أو ماهية جوهرية.ومن ثمة، فإن مفهوم النوع مفهوم منفلت ولا يروم ترسيم حدود للمعنى.ولهذا تقذف باتلر بثنائية منسجمة خارج حدود الجنس/ النوع،لأن نسق الغيرية الجنسية يفضي إلى اختزال هوية النوع في حدود الاشتهاء والرغبة والعلاقة الترابطية والمتبادلة.
ففي الواقع، يحجب منطق الغيرية الجنسية الرؤية عن “النوع الذاتي الذي يقرر ويريد”. فعندما يقرر النوع اختياراته تتوارى معادلة الطبيعة / المجتمع إلى الوراء لتتمظهر على السطح مطالب وأصوات تسعى إلى الحسم في معادلة مختلة اجتماعيا وثقافيا. فالإفصاح عن الانتماء لهوية النوع هو مظهر من مظاهر تحرير الجسد من أجهزة الرقابة المؤسساتية وآليات السلطة والعقاب.
ترى باتلر أن “الأنوثة / المرأة ليست “واقعية”،بل اصطناعية “. فماذا يعني حقيقة الشيء وواقعيته؟ أليس الواقع ، كما يقول ديكارت، صنعي؟
إن الواقع لا يتمظهر في صوره المتعددة، إلا من خلال الخطاب. فهو ينفلت عن كل تحديد خارج التداول اللغوي. لكن سلطة الذات التي تضفي الوحدة على الهويات، تحجب بذلك صورا خطابية تتشكل بفعل دوافع ورغبات فردية. ومن ثمة، تقترح باتلر استبدال “هوية النوع” ب “هوية الشذوذ المتعدد” (polynorphous)للإجهاز على مفهوم الانسجام لهوية النوع وخلق فضاءات متعددة للتعبير الجسدي والثقافي والسلوكي…
وبالرغم من الجهود النظرية لتكسير الثنائية التقليدية: جنس / نوع، فإن خطاب المقاومة مازال يسعى إلى تسييد أطروحته، فهذه أماندرا دوبريز( Amandra du Preez) ترى أنه بالرغم من ممارسة التحويل الجنسي، فإنه لا يمكن التموقع خارج ثنائية الجنس والمجتمع. إذ تحت عنوان ” التقنية والتحول الجنسي: تحالفات سرية”، تعتبر دوبريز أن ” التكنولوجيا عاجزة عن تحويل البناء الثقافي إلى فعل إرادي”.
أمينة بنونة
أمينة بنونة

أمينة بنونة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *