الرئيسيةأخبارجولات في نصوص رحلية مغربية، للكاتب: الزبير مهداد

جولات في نصوص رحلية مغربية، للكاتب: الزبير مهداد

إزالة العنصر: جولات في نصوص رحلية مغربية للكاتب الزبير مهداد جولات في نصوص رحلية مغربية للكاتب الزبير مهداد

أصدرت الجمعية المغربية للباحثين في الرحلة، كتابا جديدا عنوانه “جولات في نصوص رحلية مغربية“، للكاتب الزبير مهداد.

يستقرئ المؤلف عددا من الرحلات المغربية المختلفة الأغراض، التي تمت في تواريخ متباعدة، تفصل بينها قرون. وأكثر الرحلات كانت للحج، وبعضها طلبا للعلم، أو سلوكا لطريق التصوف أو غيره. اجتاز أصحابها الفيافي، وكابدوا الصعوبات، ودونوا ما عاشوه في رحلاتهم، وما جنوه من ثمار، وعرفوا بمن لقوا فيها من رجال وأعلام.

وقد أنتجت الرحلات المغربية عموما ركاما هاما من الكتب والمذكرات، أطلق على هذا الفن الأدبي اسم “أدب الرحلات”، وحظي باهتمام كبير من الباحثين الذين عدوا هذه الكتب مصدرا مهما للمعلومات، فتدارسوها وحللوها، واستنبطوا منها فوائد كثيرة، فهي تتضمن كما هائلا من المعلومات الأدبية والجغرافية والتاريخي والاجتماعية والاقتصادية وغيرها، شكلت على الدوام مصدرا للمؤرخ والجغرافي والأديب وكل المثقفين، وأسهمت في تعريف القراء بالشعوب الأخرى المختلفة، وثقافتها وعاداتها، ومزاراتها، وأعلامها. فزادت فرص التعارف بين الشعوب المختلفة الثقافات، وأبرزت المشتركات الثقافية بينها، ورسخت ثقافة الحوار والتعارف والتواصل.

قسم المؤلف كتابه إلى ثلاثة فصول:

الفصل الأول يعنى بالرحلة، والمفاهيم والقضايا المرتبطة بها، وكيفية تنظيمها، وحديث عن أهم أنواعها، كالرحلة الحجية، والرحلة العلمية، والرحلة التجارية، وطريقة تنظيم القوافل، وهيكلتها، ومكوناتها، وطرق الرحلات ومشاكلها، وصورة الرحلات الحجية في أعمال الفنانين المسلمين والاستشراقيين.

وفي الفصل الثاني استعرض مضامين بعض النصوص الرحلية، محللا ما دونه الرحالة من أفكار، وما سجلوه من ملاحظات وحقائق؛ كأبي بكر بن العربي من القرن الخامس الهجري، والعبدري من أهالي القرن السابع، وابن ميمون الغماري من القرن التاسع، والحسن اليوسي والإسحافي، وهما معا من القرن الثاني عشر، وختم الفصل بالتعريف برحلة الشنكيطي التي تمت في النصف الأول من القرن العشرين.

ثم الفصل الثالث والأخير فيعرف بميلاد دولة المملكة العربية السعودية الحديثة، كما تحدث عنه ووصفه بعض الرحالة المغاربة المعاصرين، وهم إدريس الجعيدي، وأحمد الهواري، وأحمد الرهوني، ومحمد السائح، ومحمد الحجوي. قام المؤلف باستخراج المعلومات التي دونها الرحالة عن الملك عبد العزيز والمملكة العربية السعودية وانطباعاتهم ومشاهداتهم ومعايناتهم، من كتب رحلاتهم، وتركيبها وإعادة قراءتها للتعريف بها وبالصورة التي أنشأها الرحالة عن هذا الملك ومملكته، إبراز صفات الملك عبد العزيز آل سعود، وجهوده في سبيل تأسيس المملكة العربية السعودية، وما تحقق في عهده من نهضة وتقدم، وتيسير لمناسك الحج. وأبرزت مذكراتهم جوانب مهمة في الحياة السياسية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للملكة وهي في السنوات الأولى من قيامها.

يعرض الكتاب صورة المشرق العربي في كتابات الرحالة المغاربة، خلال عدة قرون، وترصد تاريخ العلاقات المغربية المشرقية، من خلال إبراز الصورة التي كونها الرحالة المغاربة عن المشرق العربي عامة والحجاز خاصة، هذا البلد الذي يحتل مكانا محوريا في نصوص الرحالة المغاربة خلال كل العصور. الذين لم يفوتوا الفرصة لرصد طبيعة الحياة المشرقية، ولقاء علمائها وشخصياتها الثقافية والروحية، وقد دون هؤلاء في يومياتهم أخبارا وملاحظات ومشاهدات، أسهمت في تعريف المغاربة بالمشرق، ومظاهر الحياة فيه، وطرق ومشاق السفر إليه. هذه المعلومات الثمينة التي قد تغيب عن كثير من كتب التاريخ السياسي.

يؤكد الكاتب أنه لم يقصد بكتابه إحصاء الرحلات، أو جرد الرحالين المغاربة عبر التاريخ، أو توثيق كتبهم، وسرد مضامينها، فكل ذلك كثير يصعب حصره، ويحدد الكاتب غرضه في التعريف ببعض أوجه أدب الرحلة المغربية، والرحالين المغاربة، وما خلفوه من آثار طريفة، لم يتطرق لها الباحثون. فعرف بالرحلة الصوفية، والرحلة البحثية العلمية، والحجية، كما عرج على بعض الرحالة المعاصرين، وعرف ببعض أعمالهم التي ظلت في الظل.

والمؤلف لم يكتف بتركيب صورة المشرق من خلال نصوص الرحلات، بل تناول بالدراسة والتحليل النصوص والموضوعات التي تطرق لها الرحالة، فكان الكتاب سجلا واصفا ونقديا للفكر المغربي وللوضع في المشرق في آن واحد.

كانت قضايا الدين حاضرة في جل الرحلات، ففي الفصل الأول شرح المؤلف أهمية الرحلات التجارية في نشر الإسلام، مفندا القول بأن الإسلام قد انتشر في العالم بحد السيف، فبسط القول في دور التجار في نشر الدين، إذ كانوا بمثابة دعاة بسلوكهم ومعاملتهم المتحضر للأفارقة، واحترامهم للاختلاف، وللهوية الثقافية الإفريقية، ودورهم في التبادل التجاري والثقافي وترقية الحياة الإفريقية، مفصلا القول عن مؤسسة القافلة، ومم تتألف، ووظائف كل فرد فيها، وخريطة طرق القوافل في إفريقيا، إضافة إلى فصل لطيف حول رحلة الحج في لوحات الرسامين المسلمين والمشتشرقين الأوروبيين.

وكان قضايا الدين حاضرة أيضا في الفصل الثاني من الكتاب، في رحلة العبدري الحجية التي تصدى فيها بقوة إلى كثير من البدع التي لاحظ تفشيها بين الحجاج، وانتقد كثيرا من السلوكات التي لا تحترم قداسة المكان، ولا مناسبة الحج، وأبان من خلال ملاحظاته عن ثقافة دينية عميقة، ومعرفة بالسنن، ورغبة صادقة في الإصلاح الديني.

وكذا رحلة ابن ميمون الغماري الذي نشر في المشرق طريقته الصوفية “الخواطرية” وأنشأ مدرسة صوفية انتشر ذيعها في كل المشرق، وخلفت الآلاف من الأتباع والمريدين، والمتصوفة الكبار المشهود لهم بالحضور الثقافي في البلاد. ومن لطيف ما توصل إليه المؤلف من خلال دراسة رحلة ابن ميمون، أنها تتضمن ثلاث رحلات في آن واحد، وهي الرحلة المادية بانتقال ابن ميمون إلى المشرق، وترحيله المفاهيم من قواعد اللغة العربية إلى قواعد التصوف من خلال كتابة الأجرومية في التصوف، وترحيله أفكاره الصوفية من خلال رسالته التي وجهها إلى أصدقائه  وشيوخه بفاس.

أما رحلة اليوسي الثمينة، فكانت بمثابة دليل محكم للحجاج، حيث وصف فيها الطريق، ومحطات الاستراحة، وأماكن توفر المياه، والصعوبات الناشئة عن الاضطرابات الجوية والتقلبات المناخية، والأوبئة التي تهدد الحجاج، وما ينبغي عليهم التمسك به لأجل سلامتهم.

ثم رحلة الإسحاقي التي تكتسي أهميتها من رصدها لمتانة العلاقات التاريخية والاجتماعية بين المغرب والحجاز، ومكانة ووزن المغرب في البلاد العربية وشمال إفريقيا، وهي رحلة نادرة ومهمة جدا، لأنها كان برفقة أمراء علويين كبار، منهم السيدة للاخناثة بنت بكار زوجة السلطان مولاي إسماعيل، وحفيدها سيدي محمد بن عبد الله الذي سيصبح السلطان محمد الثالث.

ثم رحلة الشنكيطي التي تمت أوائل القرن العشرين، في ظل الاحتلال الأوروبي لإفريقيا، ورصدت كثيرا من مظاهر الحياة الثقافية والاجتماعية والسياسية في إفريقيا جنوب الصحراء، وصعوبة المسالك البرية آنذاك، والتي استعمل فيها الجمال، والسيارات والقطار. وهي رحلة لطيفة جدا.

كما تضمن الفصل الثاني حديثا عن شهر رمضان في كتب الرحلة المغربية، ومظاهر الحياة في الحجاز خلال هذا الشهر الفضيل.

أما الفصل الثالث، فقد خصصه المؤلف للحديث عن فجر المملكة العربية السعودية، وبداية تأسيس الدولة على يد آل سعود، والجهود الكبيرة التي بذلها الملك عبد العزيز آل سعود، من خلال رحلات عدد من الرحالة الذين كانوا يشكلون النخبة الثقافية والسياسية المغربية، تضمن الفصل حديثا عن الملك عبد العزيز، وصفاته وشخصيته وأخلاقه، ثم بحثا عن جهوده الثمينة في تأسيس الدولة السعودية الحديثة، ومخططاته لتيسير الحج، وتوفير الظروف الملائمة لضيوف الرحمن، ثم حديثا عن الأوضاع الاجتماعية في هذا البلد. وأبان الفصل عن المستوى الرفيع للمثقفين المغاربة ودقة وصفهم للمملكة، وقيمة الوصفات التي قدموها للنهوض بالبلد الجديد، وأهمها ما كتبه الحجوي الثعالبي الذي عبر عن ذكاء وقاد، ومعرفة عميقة بطرق التدبير السياسي والإداري الحكومي.

خلاصة القول إن الرحالة كانوا في معظم كتاباتهم شهودا على عصرهم، أَبْدوا ملاحظاتٍ كثيرةً دقيقة وثمينة حول القضايا التي عاينوها في رحلاتهم. وقد بذل المؤلف جهدا موفقا في تناول الرحلات بالدرس والتعريف والتحليل واستخلاص النتائج.

سعيد المنصوري

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *