تتجه الأنظار نحو مدينة مراكش نهاية الشهر الجاري، حيث ستحتضن الدورة الثالثة لمهرجان الكتاب الإفريقي، الذي ينظم في الفترة الممتدة من 30 يناير إلى 2 فبراير. هذا الحدث الثقافي البارز يُعد من أبرز التظاهرات التي تهدف إلى إبراز ثراء وتنوع الأدب والثقافة الإفريقية، ويأتي في سياق يعكس الاهتمام المتزايد بالثقافات المتعددة للقارة السمراء.
من المتوقع أن تشهد هذه النسخة حضور شخصيات أدبية بارزة، من بينها جان ماري غوستاف لو كليزيو، الحائز على جائزة نوبل للآداب، والذي سيكون من أبرز ضيوف الشرف، إلى جانب حوالي خمسين مؤلفًا وفنانًا يمثلون أكثر من عشرين دولة من ثلاث قارات. ويؤكد هذا التنوع الجغرافي على الأهمية البالغة التي يوليها المنظمون للتقريب بين الثقافات المختلفة وتعزيز الحوار الثقافي بين شعوب العالم.
وفي تصريح له خلال ندوة صحفية عقدت بالدار البيضاء لتقديم تفاصيل هذه النسخة، أوضح يونس أجراي، المندوب العام للمهرجان، أن الدورة الثالثة تأتي بعد نجاح النسختين السابقتين، مضيفًا أن الهدف الرئيسي لهذه الدورة هو تعزيز الاهتمام بالأدب والثقافات الإفريقية وتسليط الضوء على الأصوات الإبداعية التي تعبّر عن قضايا القارة وتاريخها وتطلعات شعوبها.
وأشار أجراي إلى أن مهرجان الكتاب الإفريقي بمراكش لهذا العام سيشهد إطلاق جائزة مراكش للمدارس الثانوية، وهي مبادرة تهدف إلى تشجيع القراءة بين فئة الشباب، وتعزيز حبهم للأدب والثقافة. وستكون هذه الجائزة إحدى الركائز الأساسية للمهرجان، كما ستسهم في تنويع برنامجه الثقافي من خلال دمج أشكال فنية مختلفة، مثل السينما والموسيقى والعروض الحية.
من جهتها، أكدت حنان الصايدي، المسؤولة عن البرمجة وأحد مؤسسي المهرجان، أن هذه النسخة ستخصص مساحة كبيرة للأصوات النسائية الإفريقية من خلال تكريم عدد من الكاتبات والفنانات والشخصيات السياسية المؤثرة في القارة. كما ستُقام موائد مستديرة ولقاءات نقاشية حول قضايا المرأة في الإبداع الأدبي والفني، إلى جانب الاحتفاء بمرور مائة عام على ولادة المفكر والكاتب الكبير فرانز فانون، الذي يعد أحد أبرز رموز الفكر التحرري في إفريقيا.
وستكون الكاتبة الموريشيوسية أناندا ديفي ضمن ضيوف الشرف، حيث ستلقي الدرس الافتتاحي للمهرجان، بينما ستحضر كريستيان توبيرا، وزيرة العدل الفرنسية السابقة، كشاهدة كبرى لهذه الدورة. كما سيُتيح المهرجان فرصة للجمهور لحضور مقاهي أدبية ومناقشات ثقافية وقراءات شعرية، إضافة إلى توقيع الكتب وعروض الأفلام.
وفي إطار البرنامج الفني المصاحب للمهرجان، سيُقام معرض فني يضم أعمالًا للفنانة الهايتية ماري دينيس دويون، إلى جانب لوحات للفنانة التشكيلية المغربية نجية مهادجي، التي ستُشرف على رسم ملصق هذه الدورة. كما سيتم تنظيم أمسيات موسيقية وعروض مسرحية تسلط الضوء على التراث الفني الإفريقي.
ولم يغفل المهرجان عن أهمية إشراك الشباب في فعالياته، حيث سيتم تخصيص برنامج خاص لهذه الفئة يتضمن ورشات في الكتابة الإبداعية ودورات تدريبية ولقاءات أدبية مع عدد من الكتاب المشاركين. ويهدف هذا البرنامج إلى تعزيز روح الإبداع لدى الأجيال الصاعدة وتشجيعهم على الانخراط في المشهد الثقافي.
ويأتي تنظيم مهرجان الكتاب الإفريقي بمراكش بمبادرة من جمعية “نحن فن إفريقيا” (We Art africains)، التي أسسها كل من الكاتب والفنان التشكيلي ماحي بينبين، والفاعل الثقافي يونس أجراي، والأستاذة الجامعية حنان الصايدي، والصحفية فاطماتا ساكنا. وتهدف الجمعية من خلال هذا الحدث إلى إبراز التنوع الثقافي والفني الذي تزخر به القارة الإفريقية، وتسليط الضوء على مساهمة الثقافة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ويُعد هذا المهرجان، الذي أصبح موعدًا ثقافيًا سنويًا لا يُستغنى عنه، فرصة فريدة للمشاركين والزوار للاطلاع على الإنتاج الأدبي والفني الإفريقي، والتفاعل مع كتاب ومبدعين من مختلف الخلفيات الثقافية. كما يساهم في تعزيز الروابط الثقافية بين دول إفريقيا والعالم، من خلال الترويج للإنتاج الأدبي والفني للقارة.
ويأمل المنظمون أن تساهم هذه التظاهرة في تعزيز مكانة مراكش كعاصمة ثقافية إفريقية، وكوجهة للفعاليات الثقافية الكبرى التي تعكس التنوع والغنى الذي تتميز به القارة. ويؤكدون أن مهرجان الكتاب الإفريقي يمثل جسرًا للتواصل بين الثقافات، ومنبرًا لتعزيز الحوار الثقافي والتفاهم بين الشعوب.
ويشكل المهرجان فرصة للتعريف بالإنتاجات الأدبية الإفريقية الحديثة، وإبراز الأصوات الجديدة التي تسعى إلى تقديم رؤى مبتكرة حول القضايا التي تهم القارة. كما يهدف إلى توفير منصة للكتاب والمفكرين لمناقشة التحديات التي تواجه الثقافة الإفريقية في ظل العولمة.
وبالإضافة إلى الجانب الأدبي، يولي المهرجان أهمية كبيرة للفنون البصرية والموسيقى باعتبارهما جزءًا لا يتجزأ من الهوية الثقافية الإفريقية. ويُنتظر أن تشهد هذه النسخة عروضًا موسيقية تمثل مختلف الأنماط الموسيقية الإفريقية، إلى جانب ورشات فنية تُتيح للجمهور التفاعل مع الفنانين المشاركين.
ويُتوقع أن يستقطب المهرجان جمهورًا غفيرًا من عشاق الأدب والفن من داخل المغرب وخارجه، ما يعكس النجاح المتزايد الذي حققه منذ انطلاق نسخته الأولى. ويؤكد القائمون عليه أن هذه التظاهرة ستواصل السعي إلى تحقيق أهدافها المتمثلة في تعزيز التبادل الثقافي، وتشجيع القراءة والإبداع، ودعم الكتاب والفنانين الأفارقة.
وفي ختام هذه التظاهرة، سيتم توزيع جوائز تكريمية على المشاركين، اعترافًا بمساهماتهم في إثراء المشهد الثقافي الإفريقي. كما سيتم الإعلان عن مشاريع ثقافية جديدة تهدف إلى توسيع دائرة المستفيدين من أنشطة المهرجان.
إن مهرجان الكتاب الإفريقي بمراكش يمثل مناسبة للاحتفاء بالهوية الثقافية الإفريقية، وتكريم رموزها ومبدعيها، وتسليط الضوء على القضايا التي تهم شعوب القارة. ومن خلال هذه التظاهرة، تؤكد مدينة مراكش مرة أخرى مكانتها كمنارة ثقافية تجمع بين الأصالة والمعاصرة، وتحتفي بالتنوع والتعدد الثقافي الذي يميز إفريقيا.