في ظلمة الأفق الاقتصادي الملبّد بالغيوم، وقف الدولار الأمريكي والأورو الأوروبي في ساحة أشبه بحلبة مصارعة عالمية. كان المشهد مثيرًا، والجمهور المتمثل في الدول والبورصات والبنوك المركزية يتابع بترقّب. لا مكان للرحمة في هذا الصراع، فكل منهما يسعى للهيمنة المطلقة على النظام المالي العالمي.
كانت صرخات الدولار تدوي كقائد عسكري يطالب بولاء الأسواق. بحضوره الطاغي وقوته التاريخية، صاح:
“أنا العملة التي لا تنام، النفط يباع بي، والأسواق تنهار بغيابي.”
لكن الأورو، متأنقًا بحلته الأوروبية، لم يكن أقل ثقة. اقترب بخطى ثابتة وقال:
“وأنا الحلم الذي تجاوز الحدود، اتحاد قارة كاملة، رمز الوحدة والقوة الجديدة.”
بدأ الصراع يتخذ أشكالًا متعددة، من حرب تجارية هنا، إلى تفاوضات ديبلوماسية هناك. وكانت الأسواق ترتعش مع كل حركة أو تصريح.
في زاوية معتمة من الساحة، وقف الدرهم المغربي والدينار الجزائري، ومعهما الين الياباني والجنيه المصري. لم يكن لهم مكان في هذا الصراع إلا كمشاهدين مرغمين. نظر الدرهم إلى الدينار قائلاً بحزن:
“أين نحن في هذا المشهد؟ إنهم يحددون مصيرنا ونحن مجرد أرقام في قواعد بياناتهم.”
رد الدينار بتنهيدة ثقيلة:
“نحن أشبه بالبيادق في لعبة شطرنج عملاقة. قراراتهم ترسم مصائرنا.”
أما الين الياباني، فقد ظل صامتًا، لكنه كان يخطط للرد بطريقة هادئة، مستعينًا بتاريخه العريق في الانحناء للعواصف.
وسط الصراع المحتدم، ظهر لاعب غير متوقع: اليوان الصيني. اقتحم الساحة بعنفوان غير مسبوق، معلنًا أنه لم يعد يحتمل مشاهدة المسرحية من بعيد.
“كفاكم عبثًا! العالم بحاجة إلى عملة جديدة، تتحدى استبدادكم.”
كان دخوله بمثابة شرارة أشعلت فتيل مرحلة جديدة من الصراع. فجأة، بدأت دول العالم الثالث تتطلع إلى اليوان كملاذ بديل. هنا، أدرك الدولار والأورو أن عليهما التكاتف، ولو مؤقتًا، للحفاظ على مكانتهما.
على حين غرة، ومن حيث لا يتوقع أحد، انفجرت أزمة اقتصادية عالمية. تهاوت الأسواق، وهوت العملات جميعها، بما في ذلك الدولار والأورو. في هذه اللحظة الفاصلة، وقف الدرهم والدينار على أنقاض المشهد المالي، يتأملان.
قال الدرهم بابتسامة ساخرة:
“يبدو أن صراع الأقوياء أضعفهم جميعًا.”
رد الدينار:
“ربما آن الأوان لنعيد بناء قواعدنا على أساس جديد.”
وهكذا، انطلقت حقبة جديدة حيث بدأت العملات الصغيرة تنسج تحالفات إقليمية، محاولين إيجاد مكان لهم في نظام عالمي ينهار ويتجدد.
لم يكن الصراع بين الدولار والأورو سوى حلقة في سلسلة أطماع لا تنتهي. وبينما يتجدد المشهد، يبقى السؤال:
هل سيظل العالم رهينًا لقوة العملات الكبرى، أم أن صغار اللاعبين سيجدون طريقهم إلى الضوء؟
هشام فرجي