الرئيسيةإبداعقصة قصيرة: معاق فاق كل الآفاق

قصة قصيرة: معاق فاق كل الآفاق

في زاوية منسية من حي شعبي يكتظ بالضجيج والفقر، عاش ياسين، شاب حمل جسده إعاقة منذ ولادته، لكنه حمل روحًا تتحدى الكون. كان كرسيه المتحرك صديقه الوحيد في الطرقات، ونافذته إلى عالم كان يراه واسعًا رغم ضيق الحي، ومشرقًا رغم سواد الأيام.

كبر ياسين وسط همسات الشفقة ونظرات العجز التي تُلقى عليه من كل حدب وصوب. كان الحي بأكمله يتحدث عنه وكأنه مثال للمأساة. لكن ياسين لم يكن يرى نفسه كذلك. كان ينظر إلى العالم بعين مختلفة، عين تلمع بالحلم والإصرار.

في إحدى ليالي الشتاء الباردة، وبينما كان الجميع يهرب من المطر، جلس ياسين بجوار نافذته الصغيرة، يحمل بين يديه هاتفًا قديمًا أهداه له جار طيب. عبث به قليلًا، فاكتشف بابًا لعالم جديد: عالم البرمجة. شعر لأول مرة أن له مفتاحًا يمكنه فتح أبواب المستقبل.

بدأ ياسين رحلة تعلم شاقة، بلا معلم ولا أدوات متطورة. كان يجلس بالساعات يقرأ ويجرب ويخطئ ثم يحاول مجددًا. وكأن الكرسي المتحرك الذي كان يحاصره أصبح منصة ينطلق منها نحو حلمه.

لم تمض سنوات قليلة حتى صار ياسين مبدعًا في تصميم التطبيقات. صنع بيديه التي اعتادت على دفع عجلات كرسيه تطبيقًا فريدًا، يساعد ذوي الإعاقة على التنقل وتجاوز التحديات اليومية. لم يكن التطبيق مجرد إنجاز تقني، بل رسالة صامتة إلى العالم: “الإعاقة ليست قيدًا، بل فرصة للتحليق بطريقة مختلفة.”

ذات يوم، تلقى ياسين دعوة لحضور مؤتمر دولي يعرض فيه فكرته. كانت الرحلة إلى العاصمة حلمًا أكبر من خياله، لكنه قرر المضي قدُمًا. عندما صعد إلى المنصة وسط الحضور، شعر بدقات قلبه تتسارع. الجميع كان ينظر إليه بفضول تشوبه الشفقة.

ولكن حين نطق بكلماته الأولى، عمّ الصمت. قال بصوت ملأ القاعة دفئًا وقوة:
“أنا لم أختر الكرسي المتحرك، لكنه اختارني ليعلمني أن الأحلام لها أجنحة لا تُرى. اليوم، أنا هنا لأثبت أن الإنسان قادر على التحليق حتى لو ظن الجميع أنه عاجز عن السير.”

انفجر المكان بالتصفيق. لم يكن الحضور يشاهد شابًا معاقًا، بل بطلًا تجاوز كل الحدود الممكنة.

عاد ياسين إلى حيه بعد أن أصبح حديث الصحف والقنوات. لم يتغير شيء في ملامحه البسيطة، لكن شيئًا في عيون الناس تغيّر. أصبح رمزًا للإنجاز، قصة يرويها الآباء لأبنائهم، وشاهدًا حيًا على أن الحلم لا يعرف الإعاقة، بل يعرف الإصرار فقط.

هشام فرجي
هشام فرجي

هشام فرجي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *