أماه، أعلم أن البوح في تلك البلاد، بلادنا، من المحرمات. وأعلم أن الأنفاس تحبس مثلما تحبس النفوس. كماأعلم أن الأصوات الحرة تجهض في مهدها،وان كتب لها الصراخ من كثرة الألم تعدم بلا رأفة. أعلم الكثير حتى صرت لا أعلم، لا أعلم لما صار الكل يخاف من خيال الظل، ولما أضحت العبودية سنة محمودة، والحرية بدعة غربية. صرت لا أعلم أن الأقلام المأجورة مهمتها أيضا قتل إنسانية الإنسان بلا صك اتهام. لا أعلم لما الحزن استبد بشعبنا ولم يستثن حتى الأطفال. لا أعلم لما الجهل صار مقدسا ينازع النور بظلامه المستبد الدامس. ومع ذلك أتوق لأعلم متى سيعلم شعبنا أن الاستبداد مأله الزوال،وأن الكفاح مسلكه الوحيد للانعتاق. أتوق لأعلم لما نأكل لحم بعضنا البعض ونحن نعلم أن وحدتنا سر قوتنا. أتوق لأعلم كيف تزال الخيانة من قاموس لغتك،يا أمي، وتزال معها الكراهية لأن الحب لا يحلو إلا بلسانك. أتوق لليوم الذي أصرخ فيه ببراءة طفل يتيم، مناجيا الحرية ولا شيء سواها. ولن أخفي علمي بضعفنا، بشتاتنا، وتكالب بعضنا.
أمي، علمي اليقين والوحيد هو أن حبك كحب ثامزغا، والمساومة عليه هلاك لنا. يا أمي، يا أحلى ما أنعمت به الأقدار.
بقلم: خالد قدومي