الرئيسيةأخبار“مقاطع” محمد حافظي “بارزة” في رواق باب الكبير بالرباط

“مقاطع” محمد حافظي “بارزة” في رواق باب الكبير بالرباط

يحتضن رواق باب الكبير التابع لوزارة الشباب والثقافة والتواصل – قطاع الثقافة- بقصبة الاوداية بالرباط، معرضا فنيا جديدا للفنان التشكيلي محمد حافظي ما بين 1 و15 أكتوبر 2024 تحت عنوان “مقاطع بارزة”.

سيتم افتتاح هذا المعرض التشكيلي الذي يضم جديد أعمال الفنان حافظي يوم الثلاثاء 1 أكتوبر ابتداء من الساعة السادسة والنصف مساء.

                                                              

محمد حافظي

متلازمات الشكل والتركيب والانتماء

محمد اشويكة

-1-

يتأسس العمل الفني للفنان التشكيلي محمد حافظي على أفكار تجديدية للخلق والإبداع، فهو يعتمد الأحجام الصغيرة (المينيمالية) أو المتوسطة، المركبة من عدة لوحات ثنائية أو ثلاثية أو رباعية، وهناك أعمال تتجاوز حدود العمل الصباغي بمعناه التقليدي، أي أنها تنتصر للتركيب المفتوح على النحت والتذويب ودمج المواد الصلبة التي تستلهم لونها وجاذبيتها من التركيبة الخاصة بالمادة ذاتها، فضلا عما يضيفه الفنان إليها من مزج وتحويل.. هكذا، نكون حيال عمل فني معاصر، يجمع بين اللطخة والحركة الفنية استنادا على الطلاء المعدني أو الصباغي أو هما معا، زد على ذلك توظيف قطع معدنية مصنوعة بفنية منسجمة مع جوهر العمل الفني ككل، وهذا توظيف يخلق الإثارة والإعجاب الجمالي، لاسيما وأننا نلحظ لمسة خاصة تصبو إلى تماهي الألوان ومكونات العمل الفني وفق أسلوب تجريدي ما بعد حداثي.

-2-

تنتمي الأعمال الفنية التجريدية بأحجامها المختلفة، الصغيرة والمتوسطة، إلى ما بعد الحداثة لأنها تقدم مثالا جليا على كيفية الجمع بين تقنيات الرسم والصباغة والنحت والتركيب قصد إنشاء عمل فني له تأثير بصري خاص ومتعدد الأبعاد، فقد أضفت التقنيات المُسْتَعْمَلَة في بلورة كل عمل على حدة، بعدا فريدا لأنها بعضها يجمع بين الأصباغ والمواد الأخرى الرابطة، فتصير منفلتة من التصنيف التقليدي للوحة القماشية، لِتَتَعَدَّاهُ إلى المنطقة البرزخية التي تقع بين الرسم والصباغة والنحت أو ما ينزاح إلى التقطيع الفني للمواد الصلبة بالليزر، وهذا ما يعطي العمق الذي يتم الحصول عليه في كل عمل. تستعير أعمال الفنان بعض تقنياتها من الفنون الجميلة التقليدية مثل الرسم والنحت والسَّبْك أيضا، وهي بذلك تمزج بين الممارسة الفنية النخبوية والممارسة الفنية الشعبية.

-3-

يؤدي الجمع بين التقنيات والمواد إلى خلق عمل ذو تأثير بصري كبير، فعلى الرغم من الحجم، يظل كل عمل مُكَمِّلٍ للآخر بسبب قوة ألوانه وملمسه وأشكاله لأن الفنان قد نجح في خلق فروق وعلائق دقيقة وتأثيرات عديدة تنقل المتلقي إلى عالم منسجم ومتداخل من الحركة والألوان. لهذا، ترتبط الأعمال الفنية المعروضة مع سلسلة أخرى من الأعمال التي تدفع إلى إعادة استكشاف المنجز الفني السابق للفنان محمد حافظي لأنه أنجزها وفق تصور عام يُدْخِلُ الجزء في الكل: يبدع الفنان كل عمل وفق مواد وألوان وتقنيات تدعونا إلى اكتشاف مسارات جديدة في عمله ما دامت حدود الإبداع الفني مفتوحة على البحث، ومدموغة بما هو ذاتي، ولو أن وجهة نظر المجتمع قد تكون مختلفة.

-4-

يبتكر الفنان أشكال متعددة، بعضها ينتمي إلى دائرة الأشكال المعروفة والمتداولة، وبعضها الآخر يتسم بالالتواء وعدم الاكتمال الشكلي، وهذه سمة واضحة في فن ما بعد الحداثة سواء بوصفه أسلوبا أم كيفية تسمح للفنانين بإبداع أعمال تتجاوز حدود العمل الفني التقليدي، ففي أعمال محمد حافظي سعي حثيث إلى توليد أشكال جديدة من التعبير وارتياد مناطق إبداعية جديدة تهدف إلى المرور من تركيب الأعمال الصغرى إلى خلق تأثير بصري كبير.. ويعد هذا البحث بمثابة مراوحة مفهومية بين فن ما بعد الحداثة والفن المعاصر لأن الأعمال لا تتوافق، حرفيا، مع حركة أو تيار فني معين، وإن كانت تمتح من روافد واضحة، فهي تتماهى والتطور الفني الذي حصل في النصف الثاني من القرن العشرين، ذاك الذي يستضمره فَنُّ ما بعد الحداثة من خلال القطيعة المعرفية والجمالية مع الماضي القريب، لاسيما ما تَمَّ إنتاجه اليوم أو في الماضي القريب لدى الفنان.

-5-

ولكي نكون أكثر دقة في توصيف ما نَسِمُ به أعمال محمد حافظي الفنية، نود الإلماح إلى أن تطور مفهوم ما بعد الحداثة نَمَا ضمن بيئة فقدت فيها السرديات الكبرى القائمة على الأديان أو الأيديولوجيات الكثير من قوتها، وهنا نتحدث عن المنجز الفني الذي تُنْتِجُه الذات المبدعة وتستوعبه ضمن سياق فردي داخل المجتمع الذي تعيش، ولو بشكل معزول.

تتواصل أعمال الفنان محمد حافظي بشكل مفتوح بالمتطلعين إليها، وتدعوهم إلى محاورتها، دون أن تلزمهم بتعريفها، فهي ترفض حصرها في فكرة واحدة. وبالتالي، فإن مفهومها ناشئ عن رؤية موسعة لمفهوم الفن. وعليه، فقد يدرك المرء بأنه معاصر لها وهي معاصرة له، كل مكوناتها تبعث له بإشارات قوية للانتماء إلى الحاضر، حاضر فني يخاطب فيه الفنان المعاصر بشكل متزايد عامة الناس، وينفتح أكثر فأكثر على الحياة اليومية.

-6-

ساهم إدخال المواد المعدنية في بعض اللوحات، والعمل على تلوينها وفق تدرج لوني يراهن على إثارة الأحاسيس والرفع من المنسوب الجمالي، في تطوير الهوية البصرية للعمل الفني، وتكثيف عناصره المجازية، وتوسيع دائرة التمويه البصري كي تلبي المتطلبات الجمالية والفنية شرط الانفتاح التأويلي.. فضلا عن تلك المواد، يُلاحظ توظيف بعض الطلاءات الوظيفية التي تمنح المواد خصائص محددة مثل مقاومة التآكل أو مقاومة الأوساخ أو إدامة اللمعان، وتمثل هاته الاستعمالات التقنية قاعدة عملية ووظيفية تزيد الأصباغ دلالة وتلاؤما مع التصور البصري للعمل الفني، فضلا عن محافظتها على تدرج الألوان في علاقته بمتلازمات الشكل والتركيب والانتماء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *