نبه المتدخلون، في المنتدى الحواري لدار الشعر بمراكش، الى ضرورة إعادة النظر في علاقة الثقافي والإعلامي على ضوء العديد من التحولات التي شهدها العالم السنوات الأخيرة، وتوقف المتدخلون عند المحطات التاريخية الأساسية، والتي كانت فيها الثقافة تستمد قوتها من الإعلام، في ذروة ما شهده المغرب من حراك ثقافي وفني وبيانات وسجالات، وكان للقارئ دور كبير في ديمومة هذه العلاقة بل وإخصابها. كما سجل المشاركون، والذين ينتمون الى مختلف الأطياف الإعلامية، السمعية والبصرية والمكتوبة والرقمية، الى ضرورة مراجعة هذه العلاقة على ضوء التحولات التي يشهدها العالم، وإحكام الدراسات والاستقصاءات السوسيولوجية في أفق إعادة حضور الثقافي ضمن أولويات المشهد الإعلامي.
المنتدى الحواري لدار الشعر بمراكش، والذي يأتي في سياق العديد من البرامج التي أطلقتها في افتتاح الموسم الثامن الجديد، في افتتاح ثقافي مبكر شهدته مراكش، ابتداء من فقرة الأبواب المفتوحة وبرنامج أصوات معاصرة والذي استضاف شعراء من الجيل الجديد، يشكل فضاء للحوار والتفاعل بين فاعلين وإعلاميين وشعراء ورواد الدار، ضمن تقليد ثقافي رسخته دار الشعر بمراكش منذ تأسيسها (سنة 2017)، بل وأمسى مرجعا للعديد من المنتديات والمؤسسات في خلق جسور الحوار والتفاعل.
منتدى حواري حول حضور الشعر ومراكش المكان والأثر والذاكرة في الإعلام، فقرة أساسية في مبادرة خلاقة تفتتح البرنامج الثقافي والشعري الجديد، وشهدت مداخلات لعدد من الشعراء والإعلاميين والباحثين: حفيظة الفارسي، الحسين الشعبي، محمد بلمو، عبدالصمد الكباص، حسن بنمنصور، مصطفى غلمان. وتفاوتت تداخلات المشاركين في اللقاء، بين أنماط الإعلام الموجه لطبيعة هذه العلاقة، بين العمل الإذاعي الذي ظل لصيقا بجمهور واسع من شريحة الجمهور، وإعلام آخر تفاوت (بين الحزبي والثقافي) لكنه ظل مرجعا أساسيا في بناء المغرب الثقافي، وانتهاء بالثورة التكنولوجية والتي أفضت الى “إعلام بديل” “غير موجه” ومحكوم ببنيات تداولية جديدة، من الإعلام الرقمي الى ثورة الذكاء الاصطناعي، أمست الثقافة ومن خلالها حضور الشعر والأمكنة والآداب والفنون، آخر مؤشر يمكنه أن يفتح آفاقا جديدة لعودة القراء.
أما عندما يطرح السؤال عن هذه القراءة، والتي بإمكانها استقصاء طبيعة العلاقة بين الشعر والإعلام، بين مراكش المكان والذاكرة والإعلام، تقاطعت الرؤى بين لفيف المشاركين في المنتدى الحواري، تبعا للمرجعيات التي بإمكانها أن تحدد ليس راهن العلاقة وماضيها بل كيف تنبني ضمن سياق مغربي عرف الكثير من التجاذبات في سياقات زمنية وتاريخية مختلفة. الرأي الذي يفترض أن الإعلام نفسه ليس إلا رديفا لمنظومة الثقافي الواسعة، وحتى بالعودة لتاريخ تألق الصحافة الوطنية وانفتاحها كفضاء يبني ثقافة مغربية متأصلة في الوجدان المغربي، بل استطاعت خلق جمهور مثقف واعي بحركة التاريخ حينها. في حين، يتجه رأي آخر الى ضرورة الوقوف عند هذا “الإسفاف” الذي أمسى يهيمن على بعض جوانب هذا المشهد، بل إن الصورة تحتاج لقراءة فلسفية ترتبط بالوجود وأثرنا فيه، وانشطارية الكائن.
لقد سعى المشاركون في المنتدى الحواري لدار الشعر بمراكش، وضمن ندوة تفاعلية شهدت حضورا لافتا للعديد من الوجوه الإبداعية وفاعلين ينتمون للمجال الثقافي والفني المراكشي وضيوف من مدن مجاورة، الى إعادة قراءة وتحديد أثر هذه العلاقة اليوم على ضوء التحولات التي آل إليها الإعلام المغربي، في تقاطع مع التطورات التكنولوجيا الحديثة اليوم في العالم، وفي علاقة وطيدة أيضا بأسئلة الإنسان ووجوده. اللقاء، الذي كان فرصة للتلاقي والحوار بين الشعراء أنفسهم والكتاب والمثقفين، والعائلة الإعلامية الكبيرة ممثلة بكثير من الوجوه التي راكمت تجربة مهمة ضمن هذا المسار، محطة أولية في سلسلة من المبادرات الحوارية الجديدة لدار الشعر بمراكش، والتي يشكل الموسم الثامن فضاءها الأنسب، في سعي حثيث للإنصات للأسئلة والقضايا المركزية، التي تهم المشهد الشعري المغربي، في تقاطعه وحواريته مع جغرافيات شعرية عربية وكونية، ومع العديد من الفنون التعبيرية الحية والفنون الأدائية.
قرأت الشاعرة والإعلامية حفيظة الفارسي نصا شعريا جديدا لجمهور الدار، كما أنشد الشاعر والإعلامي محمد بلمو قصيدة لوالده الراحل. أن يبدأ اللقاء بالشعر وينتهي به، أن يكون الشعر الجنس التعبيري الأسمى لترسيخ النقاء الإنساني، في منتدى شكل فضاء حواريا بامتياز، وفي أفق أن تظل الدار مكانا أثيريا للشعر والشعراء المغاربة، وأن تنفتح في سنتها الثامنة على سلسلة من المبادرات الثقافية الجديدة، تحقق بعضا من انتظارات جمهورها وعشاق بهاء الحرف والكلمة.