شاركت ثلة من الأكاديميين والمسرحيين المغاربة، الاثنين، في الجلسات الفكرية التي تقام بمناسبة انعقاد الدورة الواحدة والثلاثين لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي.
ويعرف المهرجان الذي افتتحت فعالياته أمس الأحد تنظيم مجموعة من الجلسات الفكرية والحلقات النقاشية تحت عنوان عام “المسرح وصراع المركزيات”.
وتميزت الجلسة الأولى التي أقيمت بقاعة الندوات بالمجلس الأعلى للثقافة تحت عنوان “تعويم الهوية المسرحية” حضورا مغربيا وازنا من خلال الناقد المسرحي عبد الواحد بن ياسر ومصطفى الرمضاني الكاتب المسرحي و أستاذ المسرح بجامعة محمد الأول بوجدة.
وقدم عبد الواحد بن ياسر، بهذه المناسبة، ورقة بحثية بعنوان “تعويم الهويات في المسرح المعاصر”، موضحا مفهوم الهوية في المسرح اليوم، مؤكدا الحاجة إلى تمحيص المفهوم نفسه ومساءلته، على اعتبار أنه غالبا ما يحيل إلى مفهوم الثقافة ويرتبط به، ومن تم تأتي مقولة “الهوية الثقافية”.
وأشار من جهة أخرى إلى أن التداخل أو التمازج الثقافي في المسرح المعاصر أمر حديث لكون مفهوم الإخراج المسرحي نفسه حديث العهد، ولم يلجأ إلى هذا التداخل بشكل واع يستند إلى أسس جمالية واضحة إلا مع التجارب الطليعية لعدد من الرموز المسرحية العالمية، معتبرا أن منطقة الإخراج المسرحي تعد أهم وأنجح ورش أو مختبر تتم فيه مساءلة كل التمثلات الثقافية والهوياتية، وتعرض للمشاهدة والاستماع ليتم تمثلها من قبل المسرح والقاعة في الآن نفسه.
وأبرز عبد الواحد بن ياسر، أنه من النماذج المسرحية التي أفرزت إشكالية المسرح والهوية تأتي مسرحية (ريتشارد الثاني) لويليام شكسبير ومن إخراج الفنانة الفرنسية أريان منوشكين، حيث لجأ فيها المخرج إلى أحد الأشكال المسرحية الشرقية العتيقة وهو المسرح الياباني القديم، حيث أن “أول ما يبهرنا في المسرحية هو الفضاء المسرحي الجديد الذي لم تتعود عليه العين الغربية، ومجموع مكونات السينوغرافيا وعناصرها البسيطة، والفضاء الرمزي المفعم بالأصوات الموسيقية الصاخبة والهادئة المنبعثة من آلات شبه خرافية مستوردة من مناطق الشرق الأقصى، فضلا عن أسلوب الأداء المعتمد على فن الكابوكي بتقاليده التشخيصية الصارمة المقطرة”.
ومن جانبه، شارك مصطفى الرمضاني بورقة بحثية بعنوان “المسرح وصراع المركزيات” أشار فيها إلى أنه قد تختلف زوايا النظر إلى المسرح، ومن ذلك “الاختلاف تتنوع مفاهيمنا ومواقفنا منه، على الرغم من أنه في جوهره مسرح واحد، وتبعا لذلك من الطبيعي أن تتعدد أساليب صناعة الفرجة المسرحية، ولا ننتظر أن يبدع الناس جميعا شرقا وغربا وفق شعرية واحدة”، باعتبار أنه لا توجد مركزية واحدة مؤثرة وفاعلة، وأخرى تابعة ومتأثرة، وليست هناك هوية ثقافية خالصة وأخرى هامشية، فلا توجد هوية خالصة، بل هناك هجرة دائمة للهويات وتداخل فيما بينها، إلى درجة يصعب معها التعرف إلى ما هو أصيل فيها وما هو دخيل.
وأضاف من هنا “نفضل الحديث عن تلاقح المركزيات بدل صراع المركزيات، ذلك بأن مبدأ الصراع قد يوحي بما يفيد معنى القضاء على الآخر، في حين أن الأمر يتعلق بحتمية تفاعل تقتضي الأخذ والعطاء حتى وإن توهمت إحدى المركزيات أنها الأقوى، أو هي المركز والآخر مجرد هامش”، موضحا في هذا الصدد أن هناك ما يمكن التعارف عليه بالإرث المشترك الذي يفرضه تنوع المركزيات المعرفية وضرورة تفاعلها، استجابة لمنطق العولمة، وما يقتضيه من تهميش للأصول يصعب معه أمر التمييز بين ما هو دخيل وما هو أصيل، وما هو ثابت وما هو متحرك فيها.
وأكد مصطفى الرمضاني، في السياق ذاته، أن الوعي بذلك التلاقح تعمق بعد تطور وسائل التجريب المسرحي ووسائل التلقي معا، إذ صار المتلقي لا يقنع بالجاهز ولا بالمألوف مما هو متداول في الشعريات التقليدية، وهذا ما فتح المجال أمام المبدعين المسرحيين وصناع الفرجة كي يطوروا أساليب إبداعاتهم بانفتاحهم على شعريات الحضارات الأخرى.
ومن جهتها، تميزت الجلسة الثانية من المحور الفكري لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، والتي نظمت تحت عنوان “الجمالي-المسرحي ومقاومة المركزية”، بمشاركة مغربية من خلال كمال خلادي الباحث والكاتب المسرحي والأستاذ في الكتابة المسرحية والدراماتورجية بكلية اللغات والفنون والآداب التابعة لجامعة ابن طفيل بالقنيطرة.
وساهم كمال خلادي في هذه الجلسة بورقة بحثية بعنوان “مسرح الالفية الثالثة: من صراع اللامركزيات الي تعدد الجسد وهجرة الحركة” أبرز فيها أن الدارسين والممارسين يميلون إلى التفكير في مسرح الألفية الثالثة انطلاقا من خطي تفكير بارزين موضحا أنهم الآن أميل إلى الاقتناع بأن مقولة الأمة الموحدة والمتجانسة قد انسحبت لتترك مكانها إلى رؤية المعالم بما هو مساحة مفتوحة يعاد تشكيلها باستمرار تحت ضغط التحولات السياسية، الاقتصادية، الثقافية والتقنية.
وأوضح في هذا السياق أن الهجنة والهشاشة أضحتا سمتين أساسيتين للأمكنة التي تتشكل خصوصا من خلال قيم الإنتاج والاستهلاك، فيما يصبح مفهوم الهوية مفهوما متفاوضا بشأنه على الدوام. من جهة ثانية.
وأضاف كمال خلادي أن خطي التفكير السابقين يطرحان حزمة أسئلة قديمة وأخرى جديدة بخصوص تصوراتنا حول المسرح، والأداء، والهوية، والثقافة، ومقولات مثل المسرح الخاص بنا، والمسارح الوطنية، والأنا والآخر.
وتشمل سلسلة الندوات الفكرية والجلسات النقاشية للمهرجان محاور أخرى تهم بالخصوص”الأداء اللغوي للنص المسرحي وخلخلة المركزيات” و”تجارب حرة في الجسد المنفلت من المركزية” و”سياسات الأداء المسرحي ومقاومة تعويم الهويات” و”الاداء التراثي ومكافحة المركزية” و”حوار الهامش مع المركز”، بمشاركة أكاديميين عرب وغربيين.
وتتميز الدورة الجديدة لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي ، التي تنظم إلى غاية 11 شتنبر الجاري، بحضور مغربي متميز في مختلف فعالياتها وأنشطتها، حيث تشارك فرقة “دوز تمسرح” في المسابقة الرسمية للمهرجان بعملها الفني (فطائر التفاح)، وهي من إخراج عبد الجبار خمران وتأليف الكاتب السوداني أمجد أبو العلا، وسينوغرافيا يوسف العرقوبي وكوريغرافيا توفيق إزديو، فيما قام بتشخيص أدوارها رجاء خرماز وزينب الناجم ونور الدين سعدن و زكرياء حدوشي.
كما يشمل البرنامج أيضا إقامة ندوات تكريمية لشخصيات مسرحية عربية رائدة من بينها على الخصوص عبد الرحمن عرنوس (مصر) والطيب الصديقي (المغرب) ورجاء بن عمار (تونس).
ويعد مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، أحد أقدم المهرجانات الدولية المتخصصة في إعطاء الفرصة لتقديم العروض المسرحية التجريبية من كل دول العالم.
ويهدف إلى خلق حالة من التواصل والحوار بين مختلف الشعوب والجماعات، إضافة إلى تعريف الجمهور في مصر والمنطقة العربية بأحدث التيارات في المشهد المسرحي، وإتاحة نافذة يطل منها المسرحيون حول العالم على أحدث تطورات المشهد المسرحي في مصر والبلاد العربية.
و.م.ع