رحل عن عالمنا أحمد عمر، أول رئيس تحرير لمجلة «ماجد»، بعد أن ترك بصمة لا تُمحى في مجال الصحافة العربية، وخصوصاً في صحافة الأطفال، حيث ساهم بشكل كبير في تحويل مجلة «ماجد» إلى رمز للطفولة العربية ومحطة أساسية في ذاكرة أجيال متعاقبة.
ولد أحمد عمر في 25 سبتمبر 1939، وحصل على ليسانس الصحافة من كلية الآداب، ليبدأ مسيرته المهنية في صحيفة «الاتحاد»، حيث كان من بين الفريق التأسيسي لهذه الصحيفة المهمة. وكان الإنجاز الأبرز في مسيرته المهنية هو توليه رئاسة تحرير مجلة «ماجد» عام 1979، وهي المجلة التي وُلدت فكرتها داخل أروقة صحيفة «الاتحاد»، لتصبح فيما بعد واحدة من أهم وأشهر مجلات الأطفال في العالم العربي.
استُلهمت فكرة مجلة «ماجد» من الحاجة إلى توفير مطبوعة تعبر عن الأطفال العرب وتنمي خيالهم وعقولهم. وعمل أحمد عمر، إلى جانب مجموعة من الصحفيين والرسامين، على تحويل هذه الفكرة إلى واقع ملموس، حيث أصبحت المجلة وسيلة فعالة للتعبير عن فكر الطفل العربي ومشاعره من خلال النصوص والرسومات.
تحت إشرافه، صدر أول عدد من مجلة «ماجد» في 28 فبراير 1979، ووزعت منه 5000 نسخة مجانًا، وسرعان ما اختفت من الأسواق، مما يعكس نجاحها الفوري. قدمت شخصية «ماجد» مثالاً للطفل الذي يعبر عن القيم الإنسانية، بعيدًا عن صورة الأبطال الخارقين، مما جعلها قريبة من قلوب الأطفال في جميع أنحاء العالم العربي.
على مدار 25 عامًا، واصل أحمد عمر إشرافه على مجلة «ماجد»، حيث قدم مقالات توجيهية للأطفال وكتب سيناريوهات لقصص مصورة، ليحصد في النهاية جائزة صحافة الطفل عام 2004، تكريمًا لإسهاماته الكبيرة في هذا المجال.
لم يكن أحمد عمر مجرد صحفي، بل كان أيضًا قارئًا نهمًا عاشقًا للكتب. بدأ شغفه بالقراءة منذ طفولته، وحفظ ثلث القرآن الكريم في «الكُتَّاب». كما كانت المكتبات المدرسية والعامة ملاذه المفضل، حيث قضى الكثير من وقته ينهل من كتبها المتنوعة.
أنشأ أحمد عمر مكتبة خاصة ضمت آلاف الكتب، وكان حريصًا على جمع الكتب المستعملة من سوق «سور الأزبكية» في القاهرة. تلك الكتب كانت رفيقته الدائمة، وشكلت جزءًا كبيرًا من ثروته الفكرية.
كان أحمد عمر يرتب مكتبته بعناية، مقسمًا إياها حسب الموضوعات ليسهل عليه الوصول إلى أي كتاب. على الرغم من حبه للكتب، كان يرفض إعارتها، معتبرًا إياها جزءًا من كيانه الخاص، باستثناء صديق واحد كان يثق في تقديره للكتب.
تأثر أحمد عمر بكتابات العديد من الأدباء والمفكرين، مثل نجيب محفوظ، يوسف إدريس، وجمال الغيطاني، إلى جانب الأعمال الفكرية مثل «رأس المال» لكارل ماركس و«تفسير الأحلام» لسيغموند فرويد. تلك القراءات ساعدته في تشكيل رؤيته الفكرية، التي انعكست على أعماله في مجال صحافة الأطفال.
وعلى الرغم من الانتشار الواسع للكتب الإلكترونية والمسموعة، ظل أحمد عمر مؤمنًا بأهمية الكتاب الورقي، متمسكًا بمتعته الخاصة التي لم يستطع أي بديل رقمي أن يعوضها. كان يرى أن الكتاب الورقي هو الرفيق الأمثل لعشاق القراءة.
أحمد عمر لم يكن مجرد رائد في مجال الصحافة، بل كان أيضًا مصدر إلهام للأجيال بفضل جهوده وإبداعه. نجح في غرس حب القراءة في نفوس الأطفال، وقدم لهم مجلة «ماجد» التي ما زالت تعتبر نافذة إلى عالمهم الخاص، محققة توازنًا بين التسلية والتعليم، وراسمة في أذهانهم ذكريات لا تُنسى.