صدر ضمن منشورات دار الشعر بمراكش، كتاب للباحثة فاطمة الزهراء وراح موسوم ب”الفاعلية البلاغية والشعر” يستقصي القضايا الكبرى للبلاغة الجديدة وأسئلة المنهج، يقع في 92 صفحة من القطع المتوسط ويزين الغلاف بلوحة للفنان الحروفي الحسن الفرسيوي. وتوج هذا الكتاب، الذي صدر ضمن سلسلة النقد رقم 11، بجائزة النقد الشعري للنقاد والباحثين الشباب، المرتبة الثانية مناصفة، وهي الجائزة التي تنظمها دار الشعر بمراكش واحتفت في دورتها السنة الماضية بشمعتها الخامسة.
يقارب هذا الكتاب، “الفاعلية البلاغية والشعر.. القضايا الكبرى وسؤال المنهج” للناقدة فاطمة الزهراء وراح تجربة رائدة في الخطاب النقدي المغربي والعربي، من خلال السعي الى استخلاص أهم القضايا المركزية التي تحكمت في صياغة منظورات البلاغة الجديدة، والفاعلية البلاغية الشعرية والإقناعية الحجاجية، ومن خلال تجربة الناقد الألمعي الدكتور محمد العمري. ويشير عبدالحق ميفراني، مدير دار الشعر بمراكش في تقديمه للكتاب، “تدعونا الناقدة وراح الى تجاوز منظوري التعميم النظري والمفهومي، في محاولة تلمس دينامية المفاهيم البلاغية، على ضوء التحولات العميقة التي مست الخطاب البلاغي الغربي مما أحدث، بالضرورة، “تأثيرا واضحا في مسار النقد الغربي”، وهو ما يبدو جليا على مستويات عدة، خصوصا، مستوى المفاهيم النظرية والإجرائية.. وهو ما أسهم بشكل جلي في تطور النقد البلاغي الغربي، “بالمقارنة مع نظيره العربي الذي لا يزال يرزح تحت أثقال التبعية على مستوى المفهوم والإجراء، دون استيعاب كامل لدينامية المفاهيم البلاغية واحتواء لمرجعياتها المختلفة”.
ويبرز سؤال إعادة إنتاج مفاهيم النظرية النقدية العربية، بشكل يتوافق وخصوصيات الفاعلية البلاغية والنص الشعري العربيين. هذا الانتقال يحتاج، فعليا، الى ما يشبه القطيعة الابستيمولوجية مع الأنساق التقليدية، والتي تحكمت في الدرس البلاغي العربي. إن البحث عن، ما تسمه الناقدة وراح، بالأنساق الكبرى ورصد الخصوصية الشعرية العربية والاشتغال على فاعليتها البلاغية، والكشف عن خلفياتها المفهومية، والانفتاح على أسئلة التلقي، وبحث العلاقات الداخلية المبنينة داخل النصوص..، هو السبيل للنهوض بالدرس النقدي والبلاغي.
إن التجربة النقدية للدكتور محمد العمري، تأتي في سياق هذه الأعمال التي تتميز “بالجدة النقدية والبلاغية؛ من خلال استقراء التراث النقدي استقراء داخليا يبحث عما يشكل نسقيته وانتظام القوانين المشكلة لخصوصيته”. إن هذا المسار الاستغواري لكشف المكونات الداخلية، للدرس البلاغي، ونسيج أنساقه المتفاعلة، هو ما يؤسس لهذا الأفق الجديد للبلاغة الجديدة في بعدها الحجاجي. والتركيز على تجربة الناقد محمد العمري، من خلال كتابه “البلاغة العربية أصولها وامتداداتها”، هو المرجعية الأساسية لكتاب الناقدة وراح والتي سعت لكشف العلاقة الرابطة بين الفاعلية البلاغية والشعر.
وتبرز أعمال الناقد محمد العمري في ربطها التنظیر بالترجمة والتطبیق، وهو ما يعكس عند الناقدة وراح “طموحا منهجيا ومعرفيا يرتبط برصد تطور النظرية البلاغية وربطها بالفاعلية الشعرية العربية في تجاوز من الباحث محمد العمري لاجترار مفاهيم النقد الغربي دون تفاعلها مع النصوص التراثية البلاغية”. ولعل هذا المراس هو ما يؤكد على العمق المعرفي، لأعمال محمد العمري النقدية، الذي يأبى تكريس مركزية النقد الغربي ومثاليته المطلقة.
وتشير الأستاذة فاطمة الزهراء وراح، “إن ما درسه الأستاذ محمد العمري في البلاغة العربیة یمتد عبر أربعة عشر قرنا، في حين یمتد مشروعه عبر ما یزید عن ثلاثة عقود، ولذلك خلصنا إلى نتیجة مفادھا أن عناصر عمل محمد العمري قابلة للتوسع، وأخذھا كتيمات بحثية مفردة، وأن العمل الذي یستھدف قراءة الكتاب بأكمله قصارى جھده إعطاء نظرة عامة عنه”، لذلك آثرت الباحثة الاقتصار على عنصر الفاعلية البلاغية وتواشجها مع الفاعلية الشعرية العربية لأن التفصیل، حسب قولها، یؤدي إلى الولوج ضمن كل الإشكالیات التي طرحھا الأستاذ العمري.
إن عمل الأستاذ العمري على رصد اتجاھات الدرس البلاغي والتنقیب عن مشاربه، متحققا من منجزات البلاغة العربیة، عبر مراحل تطورھا، مبینا الخطاطات العامة التي تنبني علیھا الأعمال البلاغیة مرتبطة بفاعلية المنجز الشعري العربي، ينم عن الوعي بالخصوصية النوعية للشعر، والتي هي بالضرورة خصوصية بلاغية، فالبلاغة العربیة ملكة فطریة عند العرب، وتطورت بتفاعلھا مع عنصري التخییل والإقناع ضمن البیئة الجاھلیة.
طنجة الأدبية