وحيدٌ كذئبٍ مُنفردٍ يَحتمي مِن حَرّ الظهيرَة
أستريحُ من وَجعٍ عديمِ الفائدَة
أسترجعُ بعضَ أنفاسي في غُربتي
أكتم أنينَ عِلتي عن لغَتي
أوَاسي صِدقَ مَشاعري،
كأيّ ذئب أرهقه رصيفُ الليل.
لاهِثٌ أُلاحِقُ بَقِيّتي،
أبحثُ عن شهودٍ لأعلنَ توبَتي.
أتذكّرُ ما مَرّ سريعًا من قطار العُمر
أرَكّبُ الحكاياتِ قبل أن تطيرَ من ذاكرَتي،
كما يطيرُ الحَمام إذ تُحاصرُه العَاصِفة
ثم أعيدُ تركيبها بعيدًا عن زَحمة البدايَات.
كبرتُ شاحبَ اللونِ في غفلة من زَمني
وَها أنا أستجمعُ ما يكفي منَ النّسيان،
لأنسى احترَاقي في طقوسِ القبيلة
وأسماءَ النّجوم المُعَلقة في سَماء قريَتنا.
أستأنسُ إلى أناشيدِ الرُّعاةِ الحَزينة
أحِنُّ إلى ظلالِ الزّيتون،
حينَ يُشردُّني صهدُ الأرض
إلى خريرِ الماءِ حينَ يُباغتني العَطش
ولحنُ المَطر إذ يلينُ في مَسامعي.
أتذكرُ ملامحَ الفتى المُتوحّشِ في طبعهِ الرّعَوِيّ
أسترجعُ أسماءَ من كانوا مَعي على ظهرِ السّفينة،
مَن يُشبهني أو بقيَ مَعي،
من سافر دون أن يُودّعني مُعاتبًا أو مُهاجرًا.
مُسافرٌ وَحدي يتبعُني صفيرُ القصب
أحاولُ أن أنسى تذللي أمامَ زَحمَة الحَياة،
أتفادى اشتباكي مع أسرابِ النّمل على الطرقات
أتركُ بَعضي المُرهق في المَحطات المَهجورَة
أحملُ ما تبقى مُعافى مِنّي،
وأنتظرُ يائسًا أن تُفتح لي أبوابُ السّماوات.
لم أنتبه حَولي لمَن رَحلوا،
سهوتُ قليلا أمامَ توالي الهَزائِم فيّ
تذكرتُ وَهَني تحت سَمائي القليلة
لحظاتُ الكرّ والفرّ في السّاحات الحارقة،
قمرٌ شاحبٌ يتعالى في السّماء،
قبل أن ينمَحِيَ في غياهب الأفق البَعيد.
وفي صخب الصّمت المجنون في شراييني
زارَني كعادته هُدهدُ المَساء،
سخرَ منّي ومن رُؤياي
كان يحملُ ألحاني المنسوجة على ألوَاحِ الصّلصال
يُرافقه أملٌ باسمٌ انْحَتّ من لغَتي
يُهرولُ مُتثاقلا في المَشي،
آتٍ يُبطئ الخَطْوَ نحوي
أغمضتُ عينيّ في الصَّحْوِ المُتثائب
رَجوته أن يُمهلني بُرهة أو ينتظر لحظة،
أعطيه بعضًا من بشاشتي المَوءُودة بين شفتيّ
باقة من رُؤاي وأحلامًا تشبهُني
أحملُ بِيَدي اليُمنى أُمْنية
بيدي اليُسرى فجرٌ جديد.
انتظرته ليلة كاملة أن يُحْيِيني،
إذا به برَمْيَةِ حَجر في الرّأس يقتلني
ومن فرطِ شماتة الأعداءِ فيّ
تمدّدت على شفتيّ خارطة الأهوَاء
توقد احمرارُ الجَمر صرخة في وجهي،
إذا بضوءِ القمر يخُونني
تصفّح تجاعيدَ وجهي العَبوس
قال لي: عذرًا يا صاحبي
تشابه عليّ وجهك في زَحمَة الوُجوه
اجْمَع دموعك المُتحجّرة من جُفونك
وابلع حُروفك الصّامتة في لسانك
معذرَة، لست أنتَ من أريد
قصدي وَجه بؤسٍ أورثه همومًا تُشبهك
صرختك لازالت مَوءودة في دمك
بابك مُوصَدٌ وطريقك مَسدودٌ إلى الأبد
ورياحكَ عاتية يا وَلد
أسوارُك مُتصَدّعة بكل أنواع الخُدَد
أخذ بَعضي وتركني ثرثرَة بين الأفواه
أبعدَ الانتشاء عن مَسامَات الجلد،
وغابَ مُتخفّيا بينً شقوق أيامي
استعدتُ بعض أنفاسي من عُمق الجراح
تأكدتُ من أنّ صُبحي كئِيبٌ،
لا زالَ كما أعرفُه مُشاكِسٌ وعَنِيد
بَيني وبَينه طرقاتٌ ومَسافات مَشْيٍ
أشواكٌ وأسلاكٌ ومَواعِيد
سُدودٌ وسياجاتٌ مِن حَديد.
إدريس الواغيش