الرئيسيةأخبارصدور رواية “أحاسيس وصور” للكاتب المغربي مصطفى إسماعيلي

صدور رواية “أحاسيس وصور” للكاتب المغربي مصطفى إسماعيلي

بعد روايته الأولى “تشكيلات على لوحة الزّمن”، التي وصلت للقائمة الطّويلة لجائزة كتارا للرّواية العربية في دورة 2023، صدرت حديثًا للكاتب المغربي مصطفى إسماعيلي روايته الثّانية “أحاسيس وصور”، في حلّة جميلة، عن دار فضاءات للنّشر والتّوزيع بالأردن، في طبعتها الأولى.

وسيكون الكتاب الذي يقع في 215 صفحة من الحجم المتوسّط، مُتوفّرًا في جناح الدّار بمعرض الرباط الدولي للكتاب، الذي سيُنظّم في الفترة ما بين 9 و 19 ماي.

يتناول الكاتب فيها أحداثًا كثيرة وجوانب متنوعة في الحياة، تتداخل وتتشابك في حَبْكة مُتكامِلة مع كثيرٍ من التّشويق والإثارة. فقد حاول من خلال عددٍ من الشّخوص الذين ينتمون لدول المغرب ومصر وفرنسا، رصد ظواهِر متعدّدة في الحياة، مثل الاغتراب الفكري، ونسبيّة المُعتقدات، وأوهام الأفكار الثّورية الكبيرة، وجنون الرّغبة، ونرجسيّة الجسد، ومُتلازِمة الحبّ والكراهية، والحنين للزّمن الجميل. وفي الأخير، سُخرية دوائِر الحياة ومصائِر الإنسان.

كان رفيف الخمسيني وأستاذ الفلسفة بجامعة الحسن الثّاني بمدينة الدار البيضاء، يحمل أفكارًا تقدّميّة. ناضلَ خلال سنوات الرّصاص من أجل مبادئه. كان حلمُه أنْ يكون الإنسان جميلاً، يُشكِّل هذا العالم بخياله وذكائه، ليُبْدِع لوحة تتمازجُ ألوانُها بالحرّية والعدالة والمساواة والأخوّة.

صَدَمهُ الواقع العنيد، وعرف أنّه كان يُطارد خيط دُخان، حين تبدّى له أنّ أغلب القِيَم والأفكار الانسانيّة الكبيرة انهزمت. ولم يتبقّ سوى استفراد وطغيان المال ومجتمع الاستهلاك. فخابت أحلامه واستولت عليه مشاعر الاغتراب والوحدة والعزلة القاسية التي غيّرت مجرى حياته كلّها.

وفي أحد الأيّام الماطِرة، جاء إلى مقهى ‘كليلة ودمنة‘ الجاثِم على كورنيش شاطئ عين الذّئاب، ليسمع أنين نفسه الجريحة، وصوت الخراب والهزائم الذي يتصادى في أعماقه. كان يحتسي مرارة قهوته ويُدخّن سجائره ولا ينتظر شيئًا، حين التقت عيناه فجأة بعينيّ رحيل. امرأة في الأربعينات من عمرها، عربيّة القسمات، أوروبيّة الهوى. تنْضحُ بالجمال وعِشْقِ الحياة. تعيشُ بصَبْوَةِ القلب وفَوْرَةِ الرّغبة وجنونِ الحبّ. كان شغفُها بالحياة يحرق الأخضر واليابس. تهْوى القبض على الجمر. وتهرب من نفسها ومن خيبة الصّباحات الحزينة، لتُشْبِع رغباتها في أُتون اللّيالي الحمراء.

أحبّتْ الخروج من الطّرق المُعبّدة. وصارت تحتاج لبعض الجنون في حياتها، ولتلك المتعة العارمة التي نشعر بها عند ركوب المخاطر. هو نفس الجنون ونفس المتعة اللذين جعلا جوقة العزف على ظهر باخرة ‘تيتانيك‘، وهي على مشارف الغرق والهلاك، تسترسل في أداء وُصْلاتٍ موسيقية جميلة.

كانت تُدْرِك أنّ شغفها بالحياة سيقتلها. لأنّها لا تُريد أن تُحْشَر في صفّ النِّعاج، ولا تُريد أن تموت غبيّة. بل تُريد أن تنبش السّماء والأرض قبل أن يُهيلوا على جسدها التّراب.

انبهر رفيف بشخصيتها المُتحرّرة والمُتمرّدة، وبفهْمِها الغريب وغير المأْلوف للحياة. أصابتهُ الحيرة من جنونها وفوْضى حياتِها التي تختلف عمّا عرفه في قاموس النّضال والالتزام. فألقتْ عليه سحرها واقتحمتْ حياته من دون استئذان. وأدهشته بقصّتها، التي تختلط فيها المأساة والفرحة بشكل عبثيّ.  وتمكّنت في الأخير، من زرع الشّك والرّيبة في المبادئ الرّاسخة التي آمن بها، وفي كفاحه من أجل القضيّة.

فاستوطن الحبّ قلبه، واختار أن يتخلّى عن كلّ شيء في حياته من أجل جمال عيونها. وهو الأمر الذي سيُدْخِلُه في صراع مع مبادئه ومع زوجته سعاد، التي بعد فشل كلّ محاولاتِها لإبْعادِه عن هذه المرأة الدّخيلة، قرّرت أن تنتقم منه وتتّهمه بزنى المحارم مع ابنتيه جيهان وعبير.

لكن رغم ذلك البريق الذي وَسَمَ حياة رحيل، فقد كانت تُعاني من جرحٍ عميق يأكل نفسها، بعدما قُتِل ابنُها وائل في عملية الدّهس الإرهابيّة التي وقعت في مدينة نيس الفرنسية عام 2016. وعندما شارفتْ سنّ الأربعين، بدأت تشعر بانْطِفاء حياتها يومًا بعد يوم. وأصبحت ترى أيّامها باسِلة بلا ملامح، تمرُّ كقطارٍ سريع لا تستطيع اللّحاق به.

تأجّجت الكثير من الصّراعات في دواخلها. فأُصيبت باكتئاب حادّ، واختفى ذلك السّحر الذي كان يُلوِّن حياتها. أصبحت سجينة نفسها، تشعر بوحدة قاتلة. تمضغ أفكارها، وتجترّها طول النّهار. فقامت بمحاولة انتحار كادت أن تُودي بحياتها، وكأنّ من يعيشُ بالإفراط لابدّ له أن يموت بالإفراط.

وفي الأخير، جَرَتِ الرّياح بما لا تشتهي السّفن. وكان رهانُ رفيف على حصانٍ خاسر، حين تكسّر حبّه لرحيل على صخرة المُحَال وأضاع مبادئه وزوجته وبناته.

ومن جهة ثانية، حاول الكاتب تسليط الضّوء على مظهر آخر من مظاهر الاغتراب، حين أقحم شخصية ليلى الفتاة المصرية، التي عانت لسنين طويلة من مشاعر الاغتراب في جسدها. وعاشت طفولةً شقيّة، وسط عائلة لا تعرف الحنان ولا الرّحمة. فبعد الخِتان الذي اغْتصبَ طفولتها، أصْبحَتْ روحها مريضة. تنفرُ وتهربُ من تلك اللّحمة النّتِنة التي تلفّها وتلتصِق بها. كان كلّ ما يوجد أسفل حَوْضِها وسَخ ودِماء وروائح كريهة، حتّى كادت أنْ تُجَنّ. فقدتْ هويّتها والشّعور بالانتماء لذاتِها. ولمّا كان يُناديها أحدٌ باسمها، لم تكن تلتفت. لأنّها لم تعُدْ ليلى. بل فقط، شبحٌ أو ظِلٌّ يمشي على الأرض.

 

طنجة الأدبية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *