الرئيسيةأخباردراسة نقدية لديوان شعر “مشدوها برؤاك” للشاعر عبد الله هجام

دراسة نقدية لديوان شعر “مشدوها برؤاك” للشاعر عبد الله هجام

 توطئة: الشعر لا يحتاج إلى نياشين تعلق على صدره، ولا حتى إلى شهادة مدرسية… ليقول أنا مبدع.

     للشعر أناسه، بأكثر من ميل وأكثر من رغبة.. فهو ليس عملية تأليف مستطردة، بل موهبة، إلى حد أن شاعره لا يدري كيف توصل إلى قوله.. وقد يكون هذا الشاعر حاملا لمعرفة أو دونها.. فالشاعر هنا، كما سيبدو مما يطرحه، له قراءاته واطلاعاته، وما قد يمتلكه من تلقائية فطرة.. فتنوع المعارف والقدرات، تبدو هنا مكتسبات مدهشة، حتى ولو دون شهادة دراسية عليا أو متوسطة… إنه استلهام فطري عام، ناوش الشاعر عبد الله هجام في ديوانه مشدوها برؤاك، استوحيت تعابيره بلغة أوسع من حجمها… أخرجت من قالبها القاعدي لفظا وجملا، إلى مجازات عوالم باطنية.

التقديم:

      الملاحظ هنا بهذا الديوان المتطبع بعنوانه الكبير مشدوها برؤاك، ومن أجل التعبير عن كنهه، وعبر محتوى دفتي غلافه، أن التخييل التشكيلي والتعبير الأدبي، هما بقصد التواصل مع القارئ انجذابا. فالفنان التشكيلي محمد سعيد سوسان، كما هو على لوحة الغلاف الأولى، أحدث هذا التواصل بمهارة تجريد فنية… فأزاح الستار عن ديوان الشاعر عبد الله هجام، من خلال إشارات أعمق وأجذب، تتمثل في بقع دلالية بلونين بنفسجيين فاقعين، جعلهما متوائمين بين رسم ومحتوى، بتنقيطات تطبع حروفها بأحجام متباينة، تبث إيحاءاتها بتجريد هيولي طلق وثنائية تركيب، ترجمت المتن الشاعري لتبيح  للقارئ، توظيف دوره من أجل التأويل… أما على الغلاف الخلفي، فقد عمد الأديب الكبير العربي بن جلون، إلى ملامسة مدققة بلغة نافذة وبلاغة إيماء، لجوهر مما يرومه المتلقي من تعرف، على شعر شاعر أو على شاعر شعر، في خلاصة أدبية جامعة مانعة، عبر تشكيل بلاغي للكلمة الأدبية والعمق الرؤيوي، وعلى مدى مساحة غلاف خلفي، ينطق بتلميحات محفزة لمن يود تفتيقها.

    ولذا تحاول الدراسة أن تسترشد بما رسم وما كتب، على غلافي هذا الكتاب، لتلبي استزادات المهتمين توسعا، ولاكتشاف ما في باطن شعر الديوان، من شدوه ورؤى.

1)النهج التفكيكي:

1-1)عتبة العنوان:أو التلقي الأول

      لقد قدم العنوان الكبير، الرامز للديوان والناسخ لعنوان القصيدة الرئيسية الأولى، بلفظية ثنائية، على رأس زخم من النصوص تتبنى هي  أيضا عناوينها، على غرار كلمتي مشدوها/برؤاك.. فقد بوب الشاعر فهرسته بقصيدة تمثل ديوانها ضمنيا، لنقل تفاعلاته المنمذجة إلى نصوصه في تواليها… فكل العناوين الفرعية تلك، تموج  دلاليا وسيميولوجيا ضمن نمطية لغة موحدة، مقتفية سلوكا ثنائيا بأسلوبية تتحرك في مجال ما تطرحه القصيدة الأولى وفق ديوانها، تداولا لمتن شعري بينهما، عبر هواجس وأحلام الشاعر، ومشرعين كل المتسع لديهما لاحتواء عوالمه الخاصة. فالكلمة الأولى تدل على شدوه له مركزيته، بمعنى الاندهاش والحيرة.. والكلمة الثانية لها دلالاتها ضمن تخييل طلق، وبأسلوبية وحدت سياق التنصيص الكلي، حيث الرؤى تعتمل بتفاعلاتها في دواخل الشدوه، وتدل في آن واحد، على حسية عين ونبض قلب، منهما وإليهما.

1-2)عتبة النص:أو البنية الأسلوبية

أ)اللغة

       اللغة بهذه المجموعة الشعرية، اشتغلت على قصائد مرهفة الحس، بأكثر من تعابير  مجازية، تتناسج وحداتها عناوين ونصوصا، بحضور سرد شعري وحكي إيهامي… تلعب فيه هذه اللغة على أفق أسلوب إيحائي، له اشتغاله في إطار قصيدة نثر، تستحضر مواقف تحفها ذاكرة عميقة ووجد طافح، بامتداد تواصل ومنطوق استعار، وتصورات مخيال، استلهاما من علامات وعوالم، تنشط محيط إبداعها، بوقع فني وانفتاح معرفي وهيام شعري، منذ قصيدة البدء إلى آخر ما لمته المجموعة النصية باسترسال.. إنها لغة ديوان، لا تنفك تعيش حلمها المتخيل، رفقة لفظية لها حروفها النابضة، وبإيقاع صدى هورموني يعتمد نقرات موسيقا وخلفيات بيئة، لشاعر يعيش تثقفه بين ما هو طبيعي  وما هو مكتسب، يستلهم بنية نص طلق، ويفعل تأملات منفتحة، على مجالات قول شعري، بحس رقيق. ولنا عدة أمثلة تثبت هذا الثراء الموسع… ومنه ما تقوله دون حصر، قصيدة بعنوان فراشة الليل، على ص.7:[كذاك/الطائر الفينقي/كنت أجدني/كل مساء/أحترق برماد /الثلج/حيث ظلت/إثر ذلك/تشتد بي فتنة/فراشة الليل/الذي يشكل/في ذاكرتي/فضاء التأمل/وأنا أتشاجر/خارجا عن الذات/بقلق أشعاري/التي تطرق/باب صدري/كل مساء.].. إنه انبعاث متجدد لما هو مأمول، تفتقه أدوات استعار تجريدي، اندفاعا وانجذابا، نحو أي انفراج… فهذه اللغة استطاعت أن تتداول مع شاعرها، حركية الترويض والتروض، لتعابير لحظات شعرية وهيام مشاعر.. فهي من جعلت المجموعة الشعرية، ترطب بسقو مائها، العوالم الباطنية للشاعر.

ب)اللفظ:

      لقد وظفت اللفظية هنا بنوعية جذرية، مرمزة مجموع وحداتها، لتطلق أضواءها على ما حولها، بتركيز ثابت كعلامات معرفية محددة، أو كمعان تطفح أسلوبيا، فتنقل ما لديها إلى الجوار، تطعيما له بأجواء استلهامية، من أعلام وفنون وآداب… فتنتج جميعها لغة قصيد شعري، بدلالات وإيحاءات، تفتح له آفاقا شاسعة، وترصص له روابط لاحمة، في غمار تعابير، تموج تتاليا مدا وزجرا، فتبرز للنص أحوال رؤاه. إنه صوغ لفظي يدور في فلك لغته، مدمجا حكيها بتلاحم مسرود. وهكذا تقول القصيدة الذاتية للشاعر كما أرادها له، بعنوان في حديقة الشاعر، ص.27:[ أراك/قرب نفسي/كل مساء/تحضرني مخطوفا/بنشوة الكلمات/وكان عبد الله آنذاك/يتأمل بشقاء/ما كان يشدني/بانشداه فتنة/لوحة الموناليزا/بتلك النظرة الباهرة/التي تلقيها بحيرة/على العالم/ الذي يأسرنا خفاء/في حديقة الشاعر/…].. فالمساء حاضر دوما، وهو زمن الحيرة والاحتيار… أما العوالم فهي تحرك مكنونات قصيدها العام، فتلم كل مفارقاته المدهشة، مبلورة المنظور الشعري، لشاعر أفصح عن اسمه هنا لفظيا، مثبتا حضوره، من خلال لحظات عوالم، تتشكل ضمنها معان، بتداول تلميحات على مدى النص الشعري، ولو عبر حروف، بين -ك- خطاب (رؤاك)، و-ي- متكلم (رؤاي)، مدا وزجرا.

ج)التركيب:

     هي تراكيب نصية شاملة لا انفصال لها، تتلملم في اشتغالاتها بحبكة سرد، ومكنونات  نصية لها لحظاتها.. تحور اللغة الصادرة عن نصوصها، إلى تخييلات وإيحاءات، تنبض إيقاعا دافئا، يحس ولا يسمع.. فهي مكونات تغطي منطوقا شعريا، يفتح في الذهن مساحات من الرِؤى تتعدد، فتغذي محتوى تبدو فيه التراكيب متوحدة في ذاتها من جهة، وموحدة لكل المجموعة الشعرية من جهة أخرى.. فإذا لاحظنا نصوص الديوان جميعها، سنجدها ملتحمة بأسلوب لغة وصدى خطاب، وبتماه مخف لتيماته… فهي أحوال لا تجلي عن نفسها إلا للتلقي، إذ لا انفصام لها ولا تقطيعا ولا تشذيرا، تحدد أبعادها.. فكل نص له وحدته الخاصة به عموديا، يتواز مع الكتلة العامة للفهرسة أفقيا.. فالكل يصير عبارة عن بوتقة تتكامل مع بعضها وتتراتب في نسقها.. فهناك إذا التحام لعناصر تتوالى في السياق العام، فتتقارب إلى حد حصول توالد لها سلاليا، من نفس الصلب والمصدر للقصيد العام، قادمة من أجواء النص الأول المركزي، والهيمنة الشاعرية للديوان.

2)النهج التحليلي:

      لابد لهذا التحليل من أن يكون ملما بجوهر المجموعة الشعرية مشدوها برؤاك، عتبات وحيثيات وتراكيب، لإبراز إيضاحات تجلي عن غموض، وهو ليس غموضا، إنما تغطية لما خفي من خصوصيات شعرية وأسلوبية، وفق نمطية عامة للسياق التنصيصي.. وأيضا لإبراز إضاءات تشي بالتصور الكلي، المكون لفهرسة الديوان كعتبة قائمة بذاتها وبدلالاتها… فاللحظة الشعرية العامة، تبعث بطفراتها عبر لغة باطنية، لتتواصل مع التلقي بصيغ حوارية، وأساليب فجائية، وإحالات إدهاشية… فالمشترط المرغوب هو رؤيا لمنظور مبحوث عنه، لا تنفك إشارات العناوين المفهرسة بتوسعاتها، عن كل تعبير باطني لها، يطعم شعريا ودون استثناء، وحدات البنية النصية، حتى ولو كانت لفظية أو حرفية…  فالرؤيا هنا تتأثث تناغما دافئا، مع قصيد نثر/شعري، له آليات سرد وأناءات ذات وإيقاعات توازن، بين اشتغالات باطنية وخاطرية وإحساسية، باستلهام تخييل، تتولد عنه لبنات صرح شاعري، قائم أساسا على سرد حكاء، تراهن الدراسة عليه، ودون تفكيك لقيم شعر طافح، على مستوى لغتي ظاهر/باطن، يتماهيان شكلا ومضمونا، دون انفصام.

     إن النص الشعري أوجد بالديوان قصائد في حالة آداء تعبيرات مخاتلة زئبقيا، جامعة لخطابين في آن واحد، مباشر وغير مباش، يمتلكان ماورائيات، تتداول تأويلاتها فيما بينها بنفس طلق. فالشاعر من خلال شدوهه المذهل ورؤاه المحيرة، يعرض محتوى خال من حضور تيماتي محدد، مشاطرا ذاته مشاعر شاسعة منه وإليه، بمنظور شعري وقول لغوي، يضمران رؤيا خفية، بين حال ميؤوس منه وحال مأمول فيه، ويفرضان ثالثهما، هو التأمل… فالديوان بتحكمه في لحظات شعره المتناسجة، هو من يقود عتبات العناوين النصية، فاتحا فسحته لعوالم الشاعر الذاتية، تتفاعل كلها مع محتوى القصيد العام بامتداداته. ولهذا يظهر من خلال السياق حضور لغة سابكة، تدمج بسلاسة كل معانيها و حيثياتها، فتجعل الارتباط سار مع مقروء لشاعر حائر، على مدى كل رؤاه.

       ففي النص التالي بعنوان سحر اللحظة،على ص.6، نقرأ:[ٌبالقرب من نافذة/ مقهى الأطلال/نراقب أزهار الشر/تختال في الشارع/مثل فراشات الليل/فجأة تركتني جلنار/ مشدوها بقراءة/أصابع لوليتا]. إنه تأس شامل للذات، تدفع به مكنوات النص لغويا ولفظيا إلى تأويل، يترجم احتراقا وهجرانا، يحيلان بمجاز تخييل إلى واقع غربة، تنفس عنها، القراءات المواسية للشاعر.. فالشاعر لا يبرح مكانه، من نص إلى آخر، لصيقا بعشقين وجداني وثقافي، تلامسهما لغة تسود، متأثرة بغربة وجودية تلفت.. ولذا ينكب ناهلا منهما، متفحصا لما يشبع اقتناعه.. فرواية “أصابيع لوليتا” مع كاتبها واسيني الأعرج كمثقف جزائري مغرب، هي متنفس له، أما “أزهار الشر” لبودلير، كاغتراب في واقعية متضاربة، لحضارة تجول بالشارع ولم توف بوعدها، فهي تزيده تأزما… إنه تغريب معيش غرابي، في ذات عصر الشاعر، لا حلم فيه ولا يأس.

     إن الشاعر لا يمكن أبدا بفعل شعره الأكثر تخيلا ورهافة وحساسية، أن يخضع لغويا لمحدودية تعابير ضيقة، بل يدفع بالكل إلى الذات الشاعرة، ويترك القصيد العام فاتحا أبوابه على كل محتمل من العوالم المطردة.. وهذا هو ما سينبني عليه المحتوى الشعري لنصوص  الفهرسة في تواليها، بتقارب من العنوان الكبير للديوان والقصيدة الرئيسية المستهلة لمجموعته.. وبذلك تقود هذه الحركة الأسلوبية كل النصوص في تتابع.. فتكون القصيدة الأولى هي المسطر للسياق، على امتداد النهج الذي يهيمن عليه الديوان، بهدف الارتباط بمتلق يعمق تواصله مع الشاعر، في هواجس شدوهه وهوس رؤاه.

     إن موصوفات القصيد العام للديوان بكامله، تتأكد تناسخا وامتدادا في/ومع بعضها، بأسلوبية هيام شاعري، تتعدد تلوناته بعدد الرؤى، ويمكث الشدوه متمركزا، يلاحم الكل مع ذات، لها همومها وآمالها، تحسراتها وتطلعاتها… فهي حالة سيكووجودية، يشفي غليلها شعر طلق ومرهف.

3)النهج الاستدلالي:

      وهكذا فديوان مشدوها برؤاك، هو غربة واحدة في شدوهه، وحيرة متعددة في رؤاه.. وذاك هو ما أثمر ثراءا، له فيضه الشعري. ولتأكيد التناسج العائم في النصوص المفهرسة، تقول قصيدة البدء مشدوها برؤاك، وهي أم الديوان على ص.3:[أحيانا  يجرفني/شيء ما بداخلي/إلى عزلة البحر/حيث أقف إثرها/مشدوها برؤاي/كأني أقرأ/ رواية العالم/داخل رأسي/الذي لازال/يحمل طنين/السانفونية الخامسة لموزارت/وكنت آنذاك/أرى الأشجار شاحبة/من أثر الخريف/والشتاء تنقر/زجاج النافذة/لذاك عدت حينها/ منبهرا إلى عوالمي/من سفر الكلمات/التي ظلت/تجول في خاطري/عبر تجليات الخفاء/. .].. فالغربة هنا هي واقع “هجرة”، سيتلوها تأمل ذاتي.

    أما القصيدة الأخيرة حديقة الخفاء، تقول في تقابلها مع النص السابق وكأنها جزء منه، رغم كونها خاتمة الديوان، على ص.60:[كل مساء/يجذبني قلق أناي/وذلك كلما/ ظلت تؤرقني/أشجان العالم/الذي يشتغل/في ذاكرتي/لحظة الانشداه/الذي يأخذني/بغواية التأمل/من حديقة الخفاء/حيث كنت/آنذاك/غارقا في غابة الصمت/أصغي الأوجاع/أنفاس الليل/الذي يسافر بكائني/عبر متاهة/الأرض اليباب/.].. وهنا تلخيص لتجربة الديوان كاملة، بدءا من النص السابق، ومرورا بما بعده، فانتهاء بعبرة، استغوت تأملا في خفاء حديقة شعر، ستلزم استمرارا في مد وجزر… ترقبا لشعر لا يكف.

   إنه نفس البناء بنفس التركيب، حروفا ولفظا ولغة باطن، كلها مشدوهة، عبر صياغة تتشكل وفق رؤى، وتدور بتعددها في فلك عوالم الشاعر. وهذه نماذج لتماثلات النصين، دون حصر:

1-3)أمثلة عن التقابلات:

-(أحيانا يجرفني شيء ما بداخلي)………………={قصيدة مشدوها برؤاك}                 (كل مساء يجذبني قلق أناي)…………………..={قصيدة حديقة الخفاء}                -(إلى عزلة البحر……………………………….={قصيدة مشدوها برؤاك}                (وذلك كلما/ظلت تؤرقني/أشجان العالم/………..={قصيدة حديقة الخفاء}                 -(حيث أقف إثرها مشدوها برؤاي)……………..={قصيدة مشدوها برؤاك}                 (حيث كنت/آنذاك/غارقا في غابة الصمت……….={قصيدة حديقة الخفاء}                  -(كأني أقرأ رواية العالم/)……………………….={قصيدة مشدوها برؤاك}                (وذلك كلما ظلت تؤرقني أشجان العالم/…………={قصيدة حديقة الخفاء}                 -(داخل رأسي/)………………………………….={قصيدة مشدوها برؤاك}             (الذي يشتغل في ذاكرتي/)……………………….={ق.حديقة الخفاء}-إلخ…

2-3)دواعي التماثل:

      يبدو أن هذه التقابلات، هي قاعدة نهج تماثلي، سردا وحكيا وسجايا، بين فطرة طلقة، ومعارف مكتسبة، وأسلوب شمولي.. ولذا أتى الشعر منثورا في قصيده، دفاقا في سيلانه، وكأن الديوان هو قصيدة واحدة.. إذ يبدو متلاحما بصيغ شعر/نثري غامر لكل النصوص بثنائيات مستطردة أسلوبيا.. وعلى القارئ أن يلاحظ ببداهة وتتبع، كل نصوص الفهرسة، ليلمس تدامجا، توطده المجموعة الشعرية، وكأنها نص واحد، موزع على سلالة عناوين مفرخة، من عنوان مشدوها برؤاك.

 والفهرسة تثبت ذلك كما يلي:

 [مشدوها برؤاك- سحر اللحظة- فراشة الليل- سر الخفاء- صديقة الليل- لكونك شاعرا- رهبة القصيدة- لوعة القصيدة- في حديقة الشاعر- خلوة الشاعر- غيمة فراشة- خراب العالم- دهشة الجمال- قلق الناي- حرقة اليراع- جذوة القصيدة- تأجج داخلي- بهاء القصيدة- وحي المكان- اللحظة الآسرة- حارس الصمت- حديقة الخفاء..إلخ].. فكل الفهرسة بكنهها الشعري، هي ثنائيات على صورة موحدة. ويلاحظ أن الفهرسة تقدم عرضا أكثر بروزا، للشعر والشاعر والقصيدة، حيث يمثل الديوان كله، قصيدة آسرة لشاعره.. وباقي النصوص تتماثل مع الكل. إنها حالة لغة رومانسية تمس بعمق، الوجدان والخاطر والحس الشعوري، وتتقاسم كلها ترميزا أسلوبيا وخطابيا في عوالم شاعرها .. ومن ذلك:[السافونية الخامسة لموزارت- أزهار الشر- رواية أصابع لوليتا- الفيلسوف باشلار- فأصدقاء الذاكرة- والشعراء بأسمائهم- فالموناليزا- ولوحة غرينكا لبيكاسو- وباتريشيا عازفة الكمان- والأرض اليباب لأليوت، وأخرى…]. وهنا تكمن توظيفات إبداعية، بآليات بلاغة تبسط إيحاءاتها المعرفية والفنية والأدبية، من الحرف إلى الكلمة إلى الصورة فتحييها، مرتسمة بين واقع خفي وانزياحات مثيرة.

الإجمال:

     لقد اعتمدت الدراسة من خلال منهجية قرائية نموذجية ومتفحصة، وعبر إبداعية رؤيوية بحثية، مجموعة آليات أوحت بما هو كامن بالنص.. ومنها عتبة العنوان الشامل للديوان، وعتبة القصيدة المحورية ضمنه.. كما اعتمدت فهرسة نصوص مترتبة تواليا، كعتبة لها دورها الحشدي في لم الإجمال الإبداعي لرؤاها، دون اشتغال على تركيبة شكل ومضمون، بل على محتوى ضمني… أي جوهر لاشعوري للديوان وخطاب سوسيوثقافي للذات.. فبدت انخراطات تداولية وتأويلية بحضور لغة سيميوطيقية، بنسق بلاغي تواصلا، وحروف نابضة تناغما، وكلمات مخصبة تجاورا… ونستنتج أن الشعر هنا، هو حصيلة فطرة تهيأت، للإحاطة بالوارد عليها تأثرا وانفعالا، في بنائية كلية.. من هنا انبثق شعر مؤثث لكيان لذة، اعتبرته  الدراسة من أجمل قصائد النثر.

 

العربي الرودالي

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *