يضم كتاب “حياة على دفعات” قصائد من الشعر الكوسوفي المعاصر ترجمها الباحث محمد الأرناؤوط، محاولاً عبر اختياراته أن يغطي الأجيال والاتجاهات والمناخات السائدة في المشهد الشعري بتلك الدولة التي تعدّ أصغر دول البلقان.
وتكشف القصائد المختارة لشعراء من الجيل المؤسّس عن وعي هذا الجيل بدوره المزدوج كمعبّر عن الشجرة الأم (الشعر الألباني الذي تشمل خريطتُه ألبانيا وكوسوفو ومقدونيا الشمالية وجنوب الجبل الأسود وبلاد الاغتراب)، وأيضاً عن انفتاحه على الحداثة الشعرية الأوروبية.
ووفقاً للأرناؤوط الذي وضع مقدمة وافية عن الشعر الكوسوفي تربط بينه وبين الأحداث التاريخية التي أثّرت فيه، وأتاحت سياسة عدم الانحياز لشعراء كوسوفو أن يتواصلوا مع قضايا وشعراء العالم العربي، لذلك نجد حضور فلسطين قضية ورمزاً لهم واضحاً في هذه المختارات التي تميّز الشعر الكوسوفي عن نظيره المجاور في ألبانيا.
وتعبّر القصائد التي أنجزها شعراء الجيل الثاني عمّا شهدوه من انهيار يوغسلافيا، وخوضهم لتجارب الاحتجاج والاعتقال والمنع من النشر. أما الجيل الثالث، فكانت قصائده تعاين الأحداث التي تلت الاستقلال، وتوضح أن الأمل الذي ملأ النفوس نحو التغيير المستقبلي كان ربما أكبر بكثير مما تحقّق على أرض الواقع.
ويشير الكتاب الصادر عن “الآن ناشرون وموزعون” في عمّان، إلى أن التجربة الإبداعية عند شعراء كوسوفو جمعت بين الثنائيات على غرار الهموم الفردية وتلك الجمعية/ الإنسانية، واللغتين المباشرة والرمزية، والرموز الأوروبية المشتركة والرموز الألبانية الخاصة، والقضايا المحلية وقضايا العالم الثالث وتحديداً في أفريقيا وفلسطين.
ومن شعراء الجيل الأول يبرز اسم أنور جرتشيكو، الذي تكشف أشعاره عن حسّ قومي وتعاطف مع قضايا الإنسانية في كل بقاع الأرض. أما الشاعر دين محمدي، فاتسم شعره بالصور الفنية المستمدة من واقع حياة الناس وأساطيرهم الشعبية، وهو يستلهم المعاني العميقة من كل ما يحيط به في الكون؛ الأرض والسماء والنجوم. أما قصائد بسيم بوكشي فتتجه نحو الفلسفة، وتتناول قضايا كالحب والموت والشيخوخة والحرب، وتنطوي على نظرة تأملية عميقة نحو الحياة.
وفي شعر محمد كرفيشي تحضر الطبيعة بكل مكوّناتها، وتصبح كذلك معبراً للحديث عن أشجان النفس، وقضايا الكون، ولعل اهتمامه بالطبيعة هو ما جعله يبرز أيضاً في كتابة القصائد للأطفال.
أما أشعار فخر الدين غونغا فتحمل موقفاً ضدّياً من الحرب والظلام. وعن “فلسطين” كتب أيضاً الشاعر عمر شكريلي: “نحنُ مثل الطيور المحنّطة، ليس لها تراب تمسّه بأقدامها، وليس لها أرض خاصة باسمها، فوطنها الريح والزقزقة، نحن لنا لساننا وعيوننا، نحن مثل الطيور، التي تطير في عكس الرياح، والرياح لا تتوقف لبرهة، نحن أيضاً ليس لنا أعشاش، فأعشاشنا الأنقاض الفاحمة، وسماؤنا دخان البارود”.
ويقدّم بصري تشابريتشي نظرة درامية ساخرة عن الحروب، وهو يقول في قصيدته “تجربتي مع الحروب”: “في البداية تجد بعض الصعوبة، تتردّد، وخاصة حول الأطفال، حين يدوسون على الأطفال، ثم تؤيد الحرب، وتنظّم قصائد بطولية، فيما بعد يصبح الأمر سهلاً، سهلاً كثيراً، تؤيّد الجميع من دون تحفّظ، هكذا تمضي أمورك جيداً”.
طنجة الأدبية-وكالات