رحب وزير الشباب والثقافة والتواصل محمد المهدي بنسعيد بالمشاركين والفائزين بجائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة، في حفل الجائزة الذي احتضنه بيت الصحافة بمدينة طنجة، نهاية الأسبوع الماضي، مثلما رحب بعودة جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة “إلى موطنها الأنسب وفضائها الأرحب، بعد أزيد من عشرين سنة، حين انطلقت فعالياتها من الرباط سنة 2003، يوم كانت عاصمةً للثقافة العربية، حتى صارت اليوم عاصمةً للأنوار، بفضل هذه المبادرات الثقافية الدولية، التي إنما تأتي لتواكب المشاريع الملكية الكبرى التي أعطى انطلاقاتها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، ما يؤكد الدور الحضاري والتاريخي والإشعاع الثقافي والفني للمملكة المغربية”.
وأضاف الوزير، في الكلمة التي ألقتها نيابة عنه المديرية الجهوية للثقافة، أن “مدينة طنجة تحتضن اليوم أهم الأوراش التنموية ضمن مشروع طنجة الكبرى، تحت القيادة الرشيدة والرؤية السديدة لصاحب الجلالة نصره الله، بينما تنضاف هذه الجائزة إلى قائمة التظاهرات الثقافية الكبرى التي ترصع أجندة هذه المدينة، مدينة ابن بطوطة، بينما تحرص وزارتنا على حسن تنظيمها وإخراجها، يقينًا منا أن الثقافة أساس كل تنمية شاملة ومندمجة، كما يؤكد ذلك المشروع التنموي الجديد في بلادنا”. واعتبر الوزير في كلمته أن احتضان بلادنا لهذه الجائزة تأكيد لحقيقة تاريخية، وهي أن المغرب عاصمة كونية لأدب الرحلة، إذ طالما مثل المغرب منطلقا للرحالة المغاربة نحو المشرق، في سياق الرحلات الحجازية والمكية والعلمية، وارتباطا بالرحلات السفارية نحو أوروبا، مثلما كان المغرب حاضنا ومستقبلا للرحلات الأوروبية، منذ قرون. ولا يزال الرصيد الوثائقي المغربي، من الخزانة الملكية إلى المكتبة الوطنية، ومن الخزانات والمكتبات العمومية إلى المكتبات الخاصة، يحفظ لنا ذخائر شاهدةً على أمهات النصوص النفيسة والمصادر الغميسة لأدب الرحلة في تراث الإنسانية.
وارتباطا بهذا التراث الإنساني، أكد الوزير “حرص الوزارة على استدامة الطابع الثقافي والحضاري لمدينة طنجة، من خلال الحفاظ على سائر المعالم الثقافية والفنية بهذه المدينة، وفي طليعتها متحف ابن بطوطة، تلكم المعلمة التاريخية التي تحمل اسم أيقونة مدينة طنجة، وعنوان نبوغها وعبقريتها”.
أما المدير العام للمركز العربي للأدب الجغرافي الشاعر السوري نوري الجراح فأعلن من طنجة أننا “جئنا إلى هذه مدينة طنجة نحمل الشمس إلى بيتها. فهذه الجائزة التي طافت عواصم العالم العربي ومدنه من الرباط إلى الخرطوم، ومن الجزائر إلى الدوحة والمنامة، والكويت، ثم إلى الدار البيضاء، وغيرها من العواصم على مدار ربع قرن، آن لها أن تحط الرحال أخيرا في مدينة شمس الدين الطنجي، وتكاد تصرف من السنوات ما صرفه ابن بطوطة في رحلته منذ أن غادر طنجة شابا، وحتى عودته كهلا. شباب هذا الرحالة سيبقى نضرا، في مخيلة الأجيال وذاكراتهم. فهو ليس شيخ الرحالين العرب والمسلمين وسائر الشرق وحسب، ولكنه الرحالة الأشهر في العالم والأكثر صدقية، وقد ترجمت رحلته إلى عشرات اللغات”.
في مقابل ذلك، اعتبر الشاعر نوري الجراح أن هذه الدورة من الجائزة وهذا التكريم للفائزين، هو “مفتتح عمل كبير مقبل … سيتواصل لسنوات وسنوات، بفضل شراكتنا الثقافية والروحية بين ارتياد الآفاق ووزارة الشباب والثقافة والتواصل في المملكة المغربية. ونوه الجراح، وهو المدير العام للجائزة بالحضور والمشاركين والفائزين، مثلما ثمن “كلمة السيد الوزير التي وضعت النقاط على الحروف”، داعيا إلى “أهمية إحداث معهد ابن بطوطة للدراسات، وهو المشروع الذي رفعناه إلى وزارة الثقافة المغربية والمؤسسات والمنتخبة في مدينة طنجة”. وبخصوص الدورة المقبلة من الجائزة، أكد المتحدث أنها ستشهد حضور عدد كبير من الدارسين والمترجمين العرب والأجانب الذين حققوا وترجموا رحلة ابن بطوطة إلى اللغات المختلفة في ندوة كبرى تشهدها طنجة الكبرى حول كونية ابن بطوطة وأثر رحلته وفضلها على كل العالم. وفي الأخير نقل الجراح تحية الشاعر محمد أحمد السويدي راعي الجائزة ومركز ارتياد الآفاق للفائزين والحضور، مؤكدا أن في جعبة ارتياد الآفاق للعام المقبل والأعوام اللاحقة مفاجآت كبيرة منها إطلاق “السلسلة العالمية لرحلات الحج”، وسيكون للرحلات الحجية المغربية حيز واسع في السلسلة.
بعدها، وباسم لجنة تحكيم الجائزة، تلا الناقد والروائي المغربي شعيب حليفي بيان الجائزة، مذكرا بالعدد الكبير المتوصل به من المشاركات من دول عربية عديدة وفي فروع الرحلة المعاصرة والمخطوطات المحققة واليوميات واليوميات المترجمة والرحلة المترجمة والدراسات، وما تميزت به النصوص الفائزة في هذه الدورة، من جدّة وأصالة ومشاركات نسائية لافتة. وبلغ عدد المخطوطات المشاركة هذا العام 62 مخطوطاً جاءت من 12 بلدان عربياً، وقد نُزِعَتْ أسماءُ المشاركين من المخطوطات قبل تسليمها لأعضاء لجنة التحكيم لدواعي السريّة وسلامة الأداء. وجرت تصفية أولى تم بموجبها استبعاد الأعمال التي لم تستجب للشروط العلمية المنصوص عليها بالنسبة إلى التحقيق، والدراسة، أو التي افتقرت المستوى بالنسبة إلى الجائزة التي يمنحها المركز للأعمال المعاصرة. وفي التصفية الثانية بلغ عدد المخطوطات 24 مخطوطا، قبل أن يستقر رأي اللجنة على النتائج النهائية. وهكذا، آلت الجائزة في صنف التحقيقات للمصرية نهى عبد الرازق الحفناوي عن تحقيقها رحلة “حقيقة المجاز إلى الحجاز” لصلاح الدِّين خليل الصَّفَدِي، كما توج بها المهدي عيد الروايضة من الأردن عن تحقيق رحلة “زُبْدةُ الآثار فيما وقَعَ لجامعِه في الإقامةِ والأَسْفار”، لمحمد بن أحمد الحَنَفيّ الدِّمشقيّ الحلبيّ، كما فاز بها عامر سلمان أبو محارب، من الأردن أيضا، عن تحقيقه رحلة “الدُّرَرُ البهيَّة في الرِّحلةِ الأُوروبيَّة”، لمحمود أفندي الباجوريّ. ونالت الجائزة، أيضا، كوثر أبو العيد من المغرب عن تحقيق “الرحلة الحجازية” لمحمد أبو شعرة.
وفي فرع الترجمة، كانت الجائزة من نصيب عبد القادر الجموسي من المغرب، عن ترجمته كتاب “رحلة المغربي في مجاهل أمريكا”، كما فاز بها أبو بكر العيادي من تونس، مترجم رحلة “محور الذئب.. من سيبيريا إلى الهند” لسيلفان تيسون.
أما في فرع الرحلة المعاصرة “سندباد الجديد”، فآلت الجائزة للفلسطينية سناء كامل الشعلان عن كتابها “رحلات في كشمير والهند”، كما حازتها عائشة بلحاج من المغرب، عن رحلتها “على متن دراجة.. من طنجة إلى باريس”.
وفي فرع الدراسات، عادت الجائزة لممدوح فراج النابي عن كتابه “البلاغة العمياء.. بحث في الخيال الرحلي عند طه حسين، مثلما فاز بها خالد الطايش من المغرب عن كتابه “المثاقفة وإشكالية المركزية الشرقية” وسالم محمد الضمادي من السعودية عن كتاب “شعرية النص الرحلي”.
وبعد حفل الافتتاح الذي أحياه حاتم السلاوي، حفيد الفنان المغربي الرائد الحسين السلاوي، حيث قدم أغنية جده الشهيرة “أطنجة يا العالية”، رفقة جوق الطقطوقة الجبيلة، قام الوفد الرسمي المشارك في الاحتفالية، ومعهم مثقفو مدينة طنجة ومبدعوها بزيارة إلى متحف ابن بطوطة، مع تدشين معرض “أدب الرحلة”، وهو أول معرض فريد من نوعه، قدم مئات الكتب النفيسة والغميسة التي أصدرها المركز العربي للأدب الجغرافي “ارتياد الآفاق” منذ مطلع الألفية الحالية، من تحقيقات ودراسات وترجمات ورحلات معاصرة…
وكانت الاحتفالية قد انطلقت يوم الجمعة الماضي بتنظيم ندوة عربية حول أدب الرحلة، شارك فيها الفائزون بالجائزة، حيث قدموا تجربتهم في تأليف الأعمال الفائزة، مثلما سردوا رحلتهم نحو الفوز بهذه الجائزة العربية المرموقة، وعرضت أجزاء من فيلم “على خطة ابن بطوطة في الهند”، من إنجاز مشروع ارتياد الآفاق.