في إطار الأنشطة التي العلمية والفكرية التي دأبت على القيام ها جامعة سيدي محمد بن عبد الله، احتضن مركز الندوات بالمدرسة العليا للتكنولوجيا درسا افتتاحيا جامعيا تحت عنوان: «التضليل الإعلامي في زمن الأزمات، زلزال الحوز نموذجا»، وذلك صباح يوم الجمعة 8 دجنبر2023م. اللقاء حضره رئيس الجامعة وعمداء الكليات والمعاهد بها، ومدير الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين فاس- مكناس ومديرة الإذاعة الجهوية بفاس وأساتذة جامعيون وطلبة وإعلاميون وشخصيات عامة من المجتمع المدني. وقد جاء اللقاء في خِضَمّ ما يعرفه المُجتمع الدولي إعلاميا من اختلاط بين الحابل بالنابل، وتضارب في الأنباء وكثرتها، واختلاط إلى درجة يصعب التّمييز بين الصّادق من الأخبار والأكاذيب المُضللة.
في البداية رحّب السيد رئيس الجامعة بالأستاذة المُحاضرة لطيفة أخرباش رئيسة الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري بالمغرب، وهي بالإضافة إلى ذلك، كانت وزيرة وسفيرة سابقة، وتعمل خبيرة ومستشارة في الإعلام وأستاذة له، ولها عدة منشورات في جرائد ومجلات عربية ودولية، وقد سبق لها أن وُشِّحت بأوسمة الاستحقاق وطنيا ودوليا في أكثر من مناسبة. بدأت السيدة لطيفة محاضرتها الغنية بالمعلومات والأرقام والوقائع، والتي يصعب اختزالها في مقال أو ورقة واحدة، بمقاربة التضليل الإعلامي بين المفهوم والتطور وبسط آثاره السلبية، وما سر هذا الانتشار الواسع للتضليل الإعلامي في زمن التحوُّل الرقمي الذي نعيشه، وكلفته الباهظة على عدة مستويات: النفسية، الاجتماعية، الاقتصادية وغيرها.
انتقلت بعد ذلك إلى تبسيط سبل محاربة هذا التضليل الإعلامي، خصوصًا في الأزمات والِمحَن التي تمر منها بعض الشعوب والمجتمعات، بما في ذلك «المجتمعات والدول الأكثر وعيا وغنى منّا وتقدما مثل الولايات المتحدة، وما ينتج عن ذلك من تبعات اجتماعية وكلفة اقتصادية باهظة الثمن»، تقول المحاضرة. وما يترتب عنه من مخاطر في المستقبل القريب أو البعيد، بعد كل الذي عرفته العلوم بشتّى أنواعها من طفرة نوعية في الذكاء الاصطناعي، وسهولة في خلق الظروف الملائمة لتمرير التضليل الإعلامي، وإمكانية مُمارسته عن قصد لمنفعة أو من دونها، ثم سجّلت سُبل الحماية وكيف يمكن لنا «نُحصّن الفرد والمجتمع ضد ما يمكنه أن يضلنا إعلاميا، وقد يكون مقصودا في الغالب لأغراض مختلفة» تقول أخرباش، وقد يكون من أهمها: الاقتصاد، السياسية، العلوم، التاريخ، البيئة…إلخ. وقد جاء على لسان المحاضرة أخرباش أن «التضليل الإعلامي جائحة وآفة كونية»، استفحلت ظاهرة كونية وأصبحت أكثر من وقت مضى أداة للتحرك الجيوستراتيجي في الحروب وخلق الأزمات الكبرى، ولذلك يجب إيجاد الحلول للتصدي لها «من أجل سلامة المعلومة والمعرفة»، ولكن يبقى السؤال تضيف المحاضرة «كيف السبيل إلى ذلك دون المساس بالحرية؟».
والتضليل الإعلامي عدة مستويات، تضيف المحاضرة، «هناك التضليل الناتج عن نشر الكذب، ويكون في الغالب مُتعمدا وعن قصد، إما لغاية الربح السّريع أو التأثير على قناعات وسلوكيات أو الإضرار بمصلحة فرد أو بلد أو حتى جماعات أو مؤسسات»، وهذا النوع من التضليل، تضيف السيدة أخرباش، يقوم به عادة «أفراد أو جماعات منظمة-Désinformation، وفصَّلت المحاضرة أمام الجمهور الحاضر أنواع التضليل الإعلامي وأهدافه. وكيف أن هذه الظاهرة ليست جديدة، وأن عدة عوامل «ساهمت في تطورها، بعد أن مارسها الإنسان منذ القديم ولنفس الأغراض أو شبيهاتها، من بينها التطور الهائل الذي عرفته شبكات التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية». وأضافت رئيسة «الهاكا» أن «ترويج الأخبار الزائفة لم يعد معطى عرضيا، ولكنه اخترق المنظومة التواصلية الشمولية، بما في ذلك محيطنا اليومي الذي نعيش فيه». ثم قدمت للجمهور الحاضر تفصيلا عن المجال الحيوي الإعلامي الجديد، والنسبة المئوية الموزعة بين المواقع الالكترونية والشبكات الاجتماعية والتيك توك وطنيا ولإفريقيا وعالميا، وكيف أنها أصبحت تنافس قنوات الإعلام والتواصل التقليدية، إن لن نقل تتفوّق عليها في كثير من المجالات. وقد اقتحمت خاصيات التضليل الإعلامي الواقع الجديد للمنظومة الإعلامية، من حيث كونه سلاسل إنتاج وتداول، وكيف يراهن صانعو الأخبار الزائفة والتضليل الإعلامي على مكان الهشاشة عند المُتلقّين. اختتمت السيدة أخرباش محاضرتها بما وقع مؤخرا في كارثة الزلزال الذي ضرب منطقة الحوز وسط المغرب من تجاوزات من قبل بعض المؤثرين، وكيف تم تداول كثير من الأخبار الزائفة، تمّت فَبْرَكتها وتداولها الناس على أنها صحيحة وحديثة العهد، وهي تعود في الأصل إلى أحداث قديمة، ولكن تم توظيفها للتشويش وخلق نوع من الفتنة بين الناس، كما وقع للمنزل المنهار في الدار البيضاء، وتم تداوله من باب التضليل الإعلامي على أنه كان نتيجة أحداث الحوز الأخيرة المؤلمة.
إدريس الواغيش