لم يكن “طوفان الأقصى” عملا عسكريا فحسب، وإنما كان؛ أيضا، عملا حضاريا جديرا بالإشادة والافتخار لكونه جمع في طياته بين حركية التاريخ وحنين الجغرافيا وصخب السياسة وقوة الإعلام وصدقية الثورة وعذوبة الموسيقى الحماسية وروح الأدب المقاوم.
كما أنه لم يكن عملا معزولا عن أسبابه الوجودية والتاريخية، إذ أنه ردة فعل متأخرة – ولكنها مدروسة ومتأنية وعقلانية – عن المجازر اليهودية الإرهابية الممتدة منذ احتلال فلسطين وقيام دولة الإرهاب اليهودي سنة 1948 إلى اليوم.
وإذا كان “طوفان الأقصى” تعبيرا حضاريا عن يقظة الأمة وإصرارها على الحياة والمقاومة ومواجهة تحديات الغطرسة الغربية وعدوانها العسكري وعنصريتها المستفحلة ومواقفها الصليبية الإجرامية، فإننا نسجل – في مجلتنا “طنجة الأدبية” بكل أسف وحزن غياب المثقف العربي بجميع أطيافه عن مواكبة هذا “الطوفان” والانخراط في لهيبه وتجلياته وأبعاده؛ إذ غاب صوته عن هذه المعركة الحضارية وترك الساحة للسياسيين الصادقين والدجالين يفتون فيها بمذاهب شتى قليلُها ينتمي للأمة وأغلبها ينتمي للخيانة والمداهنة والالتواء الأديولوجي.
لقد كانت القضية الفلسطينية حاضرة بقوة وحماس في الأعمال الإبداعية العربية في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، بل وزاد زخمها توهجا خلال الانتفاضة في أواخر الثمانينيات من القرن العشرين وبداية الألفية الثالثة.
وقد كانت هذه الأعمال حاضرة في الشعر والقصة والحكاية الشعبية والسينما والمسرح والأنشودة والأغنية والموسيقى، ورغم أن حضورها في الرواية العربية كان أقل من المطلوب والمأمول، فإن الرواية الفلسطينية حافظت لنا على وجع القضية وآلامها بحضور ذاكرتها المقاومة وقدرتها على استنهاض الروح والحركة والفعل الثوري، بينما لا نجد قضية فلسطين بتاريخها وجغرافيتها وتحولاتها السياسية والاجتماعية والثقافية والنضالية حاضرة بالأعمال الأدبية العربية غير الفلسطينية، لذلك فإن “طوفان الأقصى” يلزمنا اليوم بضرورة تخليد هذا الحدث العظيم في الشعر والقصة والرواية والمسرح والسينما، وجعله وقودا مستمرا لحمل الأمة على استعادة دورها في قيادة العالم إنسانيا وحضاريا، وفضح الإرهاب اليهودي والصليبي والاستعلاء الغربي الاستعماري الغاشم.
إن أدبنا العربي كان ولازال ذاكرة الأمة وسِجِّلها الموثوق الذي يحفظ أحداثها ووقائعها الصغيرة والكبيرة، ويوقظ وجدانها وضميرها، ويحيي قيمها وأخلاقها ومواقفها الكريمة والعادلة، ويوقف عدوان خصومها وأعدائها عليها، لذا نعتقد أن “طوفان الأقصى” سيزيد هذه الذاكرة قوة وصلابة، وسيدفع أبناء الأمة إلى مزيد من الإبداع الفني والجمالي والإنساني، بل وسيؤثر إيجابا على الأسس الفكرية والأدبية والثقافية والحضارية التي يقوم عليها مجتمعنا العربي والإسلامي اليوم، وسيحوِّل أدبنا من واقع الأزمة والهزيمة والعجز إلى واقع الصمود ورد العدوان وإيقاظ الغرب الصليبي من أوهامه المبنية على قوته العدوانية الوحشية وفكره الاستعلائي الغنصري.
“طوفان الأقصى” بات الروح الجديدة في جسد الأمة، والإعلان الصريح على أن “التطبيع” جريمة ينبغي أن تخلو صفحات تاريخنا منها اليوم وإلى الأبد.
طنجة الأدبية